للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والبعض الآخر تعليم لكيفية الصلاة عليه المأمور بها في الآية وهي لا تفيد الوجوب (قال في النيل) ويمكن الاعتذار عن القول بالوجوب بأن الأوامر المذكورة في الأحاديث تعليم كيفية وهي لا تفيد الوجوب فإنه لا يشك من له ذوق أن من قال لغيره إذا أعطيتك درهما فكيف أعطيك أياه أسرًّا أم جهرًا فقال له أعطنيه سرًّا كان ذلك أمرًا بالكيفية التي هي السرّية لا أمر بالإعطاء وتبادر هذا المعنى لغة وشرعا وعرفا لا يدفع. وقد تكرّر في السنة وكثر فمنه إذا قام أحدكم الليل فليفتتح الصلاة بركعتين خفيفتين "الحديث" وكذا قوله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم في صلاة الاستخارة فليركع ركعتين ثم ليقل "الحديث" وكذا قوله في صلاة التسبيح فقم وصل أربع ركعات. وقوله في الوتر فإذا خفت الصبح فأوتر بركعة "والقول" بأن هذه الكيفية المسئول عنها هي كيفية الصلاة المأمور بها في القرآن فتعليمها بيان للواجب المجمل فتكون واجبة "لا يتمّ إلا بعد" تسليم أن الأمر القرآني بالصلاة مجمل. وهو ممنوع لاتضاح معنى الصلاة والسلام المأمور بهما

(على أنه) قد حكى الطبري الإجماع على أن محمل الآية على الندب فهو بيان لمجمل مندوب لا واجب ولو سلم انتهاض الأدلة على الوجوب لكان غايتها أن الواجب فعلها مرّة واحدة فأين دليل التكرار في كل صلاة. ولو سلم وجود ما يدل على التكرار لكان تركها في تعليم المسيء دالًا على عدم وجوبه "إلى أن قال" والحاصل أنه لم يثبت عندي من الأدلة ما يدلّ على مطلوب القائلين بالوجوب وعلى فرض ثبوته فترك تعليم المسيء للصلاة لا سيما مع قوله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فإذا فعلت ذلك فقد تممت صلاتك قرينة صالحة لحمله على الندب. ويؤيد ذلك قوله لابن مسعود بعد تعليمه التشهد إذا قلت هذا أو قضيت ها فقد قضيت صلاتك إن شئت أن تقوم فقم وإن شئت أن تقعد فاقعد أخرجه أحمد وأبو داود والترمذي والدارقطني "وبعد هذا" فنحن لا ننكر أن الصلاة عليه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم من أجلّ الطاعات التي يتقرّب بها الخلق إلى الخالق وإنما نازعنا في إثبات واجب من واجبًات الصلاة بغير دليل يقتضيه مخافة من التقوّل على الله بما لم يقل.

ولكن تخصيص التشهد الأخير بها مما لم يدل عليه صحيح ولا ضعيف وجميع هذه الأدلة التي استدل بها القائلون بالوجوب لا تختص بالأخير. وغاية ما استدلوا به على تخصيص الأخير بها حديث أن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كان يجلس في التشهد الأوسط كما يجلس على الرضف أخرجه أبو داود والترمذي والنسائي وليس فيه إلا مشروعية التخفيف وهو يحصل بجعله أخفّ من مقابله أعني التشهد الأخير وأما أنه يستلزم ترك ما دل الدليل على مشروعيته فيه فلا. ولا شك ان المصلي إذا اقتصر على أحد التشهدات وعلى أخصر ألفاظ الصلاة عليه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كان مسارعًا غاية المسارعة باعتبار ما يقع من تطويل الأخير بالتعوّذ من الأربع والأدعية المأمور بمطلقها ومقيدها فيه اهـ ببعض تصرفّ

<<  <  ج: ص:  >  >>