أحري إلى الصواب وقد أمر به صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وأمر بالبناء على اليقين والبناء على الأقل عند عروض الشك فإن أمكن الخروج بالتحرّي عن دائرة الشك لغة ولا يكون إلا بالاستيقان بأنه قد فعل من الصلاة كذا ركعات فلا شك أنه مقدّم على البناء على الأقلّ لأن الشارع قد شرط في جواز البناء على الأقل عدم الدراية كما في حديث عبد الرحمن بن عوف وهذا التحرّي قد حصلت له الدراية وأمر الشاك بالبناء على ما استيقن في حديث أبي سعيد ومن بلغ به تحرّيه إلى اليقين قد بنى على ما استيقن (وبهذا تعلم) أنه لا معارضة بين الأحاديث المذكورة وأن التحرّي المذكور مقدم على البناء على الأقل. وقد أوقع الناس ظن التعارض بين هذه الأحاديث في مضايق ليس عليها أثارة من علم كالفرق بين المبتدإ والمبتلى والركن والركعة (فإن قالت) الحنفية حديث أبي سعيد الذي فيه البناء على الأقل لا يخالف ما قلناه فإنه ورد في الشك وهو ما استوى طرفاه ومن شك ولم يترجح له أحد الطرفين بنى على الأقل بالإجماع بخلاف من غاب على ظنه أنه صلى أربعًا مثلًا فإنه يبني على الأكثر (فالجواب) أن تفسير الشك بمستوي الطرفين إنما هو اصطلاح طارئ للأصوليين. وأما في اللغة فالتردد بين وجود الشيء وعدمه كله يسمي شكًا سواء المستوي والراجح والمرجوح كما تقدم (والحديث) مجمل على اللغة ما لم يكن هناك حقيقة عرفية أو شرعية ولا يجوز حمله على ما يطرأ للمتأخرين من الاصطلاح "ذكره النووي"
(قوله فإذا استيقن التمام الخ) أي بإتيان الركعة المشكوك فيها سجد سجدتين أي قبل السلام كما في الرواية الآتية ورواية مسلم
(قوله فإن كانت صلاته تامة الخ) أي تامة في نفس الأمر كانت الركعة الزائدة والسجدتان نافلة له لأن السجدتين تشفعان له الركعة كما في الرواية الآتية فكأنه صلى ركعتين نافلة بعد الفريضة. وقوله والسجدتان عطف على الركعة. وفي بعض النسخ والسجدتين بالنصب على المعية أي كانت الركعة مع السجدتين نافلة (قال الخطابي) في هذا الحديث بيان فساد قول من ذهب إلى أن من صلى خمسًا يضيف إليها سادسة إن كان قد قعد في الرابعة واعتلوا بأن النافلة لا تكون ركعة وقد نص فيه على أن تلك الركعة تكون نافلة ثم لم يأمره بإضافة أخري إليها
(قوله وكانت السجدتان مرغمتي الشيطان) أي مغيظتين ومذلتين له من الرغام وهو التراب يقال أرغم الله أنفه أي ألصقه بالتراب. وكانتا مرغمتين للشيطان لأنه لما لبس على المصلي صلاته وأراد إفسادها جعل الله تعالى للمصلي هاتين السجدتين طريقًا إلى جبر صلاته وتداركا لما لبسه عليه وردّا للشيطان خاسئًا مبعدًا عن مراده وكملت صلاة العبد وامتثل أوامر الله تعالى بالسجود الذي عصي به إبليس ربه
(والحديث) أخرجه أحمد ومسلم وابن حبان والحاكم والبيهقي والدارقطني