الذي بعد الأذان هوالخطبة (وبمثل هذا) قالت الحنفية إلا أنهم قالوا يجزئُ خطبة واحدة وتسنّ الثانية (قال الزيلعي) وروى عن عدة من الصحابة أنهم خطبوا خطبة واحدة ولم ينكر عليهم أحد اهـ
"وحكاه العراقي" عن الأوزاعي وإسحاق بن راهويه وأبا ثور وابن المنذر وأحمد في رواية عنه (وذهب) الحسن وداود الظاهري والجويني وعبد الملك بن حبيب من أصحاب مالك إلى أن الخطبة مندوبة. وإلى هذا جنح الشوكاني
(وأجاب) عن أدله الجمهور بما ملخصه أما استمراره صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم على الخطبة في كل جمعة فهو مجرّد فعل لا يفيد الوجوب فضلًا عن الشرطية. وقوله صلوا كما رأيتموني أصلي لا يدل على وجوب الخطبة لأنها ليست صلاة بل ولا يدل على وجوب الصلاة على الصفة التي كات يصليها لأنه كان يواظب على أشياء ليست واجبة كما يدل عليه حديث المسيء صلاته فإنه لم يعلمه التشهد وكان يواظب عليه
(واستدلالهم) بقوله تعالى (فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللهِ) لا يفيد وجوب الخطبة لأن الذكر ليس نصًا في الخطبة بل محتمل لها وللصلاة. وحمله على الصلاة أولى للاتفاق على وجوبها بخلاف الخطبة ففي وجوبها خلاف اهـ
(وقال) في الروضة الندية إن رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم سنّ في الجمعة خطبتين يجلس بينهما وما صلى بأصحابه جمعة من الجمع إلا وخطب فيها. إنما دعوى الوجوب إن كانت بمجرّد فعله المستمرّ فهذا لا يناسب ما تقرّر في الأصول ولا يوافق تصرّفات الفحول وسائر أهل المذهب المنقول. وأما الأمر بالسعي إلى ذكر الله فغايته أن السعي واجب وإذا كان هذا الأمر مجملًا فبيانه واجب فما كان متضمنًا لبيان نفس السعي إلى الذكر يكون واجبًا فأين وجوب الخطبة
"فإن قيل" إنه لما وجب السعي إليها كانت واجبة بالأولي "فيقال" ليس السعي لمجرّد الخطبة بل إليها وإلى الصلاة ومعظم ما وجب السعي لأجله هو الصلاة فلا تتمّ هذه الأولوية وهذا النزاع في نفس الوجوب وأما في كون الخطبة شرطًا للصلاة فعدم وجود دليل يدلّ عليه لا يخفي على عارف فإن شأن الشرطية أن يؤثر عدمها في عدم المشروط فهل من دليل يدل على أن عدم الخطبة يؤثر في عدم الصلاة اهـ
أما الجلوس بين الخطبتين فالجمهور على أنه سنة تصح الجمعه لدونه (وقالت الشافعية) إنه واجب لا تصح الخطبة إلا به لمواظبته صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم عليه مع قوله صلوا كما رأيتموني أصلي (وقد) علمت ما في هذا الاستدلال على أنهم قالوا بسنية الجلوس قبل الشروع وهو صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كان يواظب عليه فأي فرق بينهما (قال العيني) قال ابن بطال روى عن المغيرة بن شعبة أنه كان لا يجلس في خطبته ولوكان فرضًا ل ماجهله ولو جهله ما تركه من يحضره من الصحابة والتابعين (ومن قال) إن الجلسة بين الخطبتين فريضة لا حجة له لأن القعدة استراحة الخطيب وليست من الخطبة والمفهوم من كلام العرب أن الخطبة اسم للكلام الذي يخطب به ولم يقل بقول الشافعي غيره