للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لا يدل على أنه مقصود متحتم وشرط لازم. ولا شك منصف أن معظم المقصود هو الوعظ دون ما يقع قبله من الحمد والصلاة عليه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وقد كان عرف العرب المستمر أن أحدهم إذا أراد أن يقوم مقامًا أو يقول مقالًا شرع بالثناء على الله وعلى رسول صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وما أحسن هذا وأولاه ولكن ليس هو المقصود بل المقصود ما بعده ولو قال قائل إن من قام في محفل من المحافل خطيبًا ليس له باعث على ذلك إلا أن يصدر منه الحمد والصلاة لما كان هذا مقبولًا بل كل طبع سليم يمجه ويرده (إذا تقرّر) هذا عرفت أن الوعظ في خطبة الجمعة هو الذي يساق إليه الحديث فإذا فعله الخطيب فقد فعل الأمر المشروع إلا أنه إذا قدّم الثناء على الله وعلى رسوله أو استطرد في وعظه القوارع القرآنية كان أتمّ وأحسن اهـ

(وقال ابن حزم) ليست الخطبة فرضًا فلو صلاها إمام دون خطبة صلاها ركعتين جهرًا ولا بدّ. ونستحب له أن يخطب على أعلي المنبر مقبلًا على الناس بوجهه يحمد الله تعالى ويصلي على رسوله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ويذكر الناس بالآخرة ويأمرهم بما يلزمهم في دينهم. وما خطب به مما يقع عليه اسم خطبة أجزأه ولو خطب بسورة يقرؤها فحسن فإن كان لم يسلم على الناس إذ دخل فليسلم عليهم إذا قام على المنبر فقد روينا من طريق مسلم بن الحجاج بسنده إلى نافع عن ابن عمر قال كان رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يخطب يوم الجمعة قائمًا ثم يجلس ثم يقوم كما يفعلون اليوم وقد روينا عن عثمان ومعاوية أنهما كانا يخطبات جالسين وقد قال الله تعالى (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ في رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ) فإنما لنا الائتساء بفعله وليس فعله فرضًا "ثم قال" من احتج في إيجاب الخطبة بأنها جعلت بدلًا عن الركعتين لزمه أن يقول بقول هؤلاء وإلا فقد تناقض

"واحتج بعضهم" في إيجاب الخطبة بقول الله تعالى (وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْ وَا انْفَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَائِمًا) قال وهذا الاحتجاج لا منفعة لهم فيه في تصويب قولهم وإنما فيه أنهم تركوه قائمًا وهكذا نقول وإنما هو ردّ على من قال إنهم تركوه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قاعدًا وهذا لا يقوله أحد وليس في إنكار الله تعالى لتركهم نبيه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قائمًا إيجاب لفرض القيام في الخطبة ولا لفرض الخطبة فإن كان ذلك عندهم كما يقولون فيلزمهم أن من خطب قاعدًا فلا جمعة له ولا لهم وهذا لا يقوله أحد منهم فظهر أن احتجاجهم بالآية عليهم وأنها مبطلة لأقوالهم في ذلك لو كانت على إيجاب القيام وليس فيها أثر بوجه من الوجوه على إيجاب الخطبة إنما فيها أن الخطبة تكون قيامًا فقط. فإن ادعوا إجماعًا ردّ إجماعةم ما رويناه عن سيد بن أبي عروبة عن قتادة عن الحسن البصري من لم يخطب يوم الجمعة صلى ركعتين على كل حال. وقد قاله أيضًا ابن سيرين (وقد أقدم) بعضهم فقال إن قول الله تعالى (فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللهِ) إنما مراده إلى الخطبة وجعل هذا حجة في إيجاب

<<  <  ج: ص:  >  >>