وفي تفسير ابن الجوزي كان الرجل يسهر طول الليل مخافة أن يقصر فيما أمر به من قيام ثلثي الليل أو نصفه أو ثلثه فشق عليهم ذلك فخفف الله عنهم بعد سنة ونسخ وجوب التقدير بقوله علم أن لن تحصوه فتاب عليكم فاقرءوا ما تيسر منه. أي صلوا ما تيسر من الصلاة ولو قدر حلب شاة. ثم نسخ وجوب قيام الليل بالصلوات الخمس بعد سنة أخرى، فكان بين وجوب تطويل قيام الليل وتخفيفه بالاقتصار على ركعتين سنة وبين وجوب تطويله ونسخه بالكلية سنتان.
وما قاله ابن عباس وتبعه ابن الجرزي وغالب المفسرين من أن نسخ وجوب قيام الليل وقع بالصلوات الخمس فيه نظر لأن وجوب الصلوات الخمس لا ينافي وجوب قيام الليل. شرط الناسخ أن يكون حكمه منافيًا لحكم المنسوخ. فالصواب أن يكون النسخ بحديث ضمام بن ثعلبة المتقدم في أول كتاب ألصلاة أن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أخبره بأن المفروض عليه خمس صلوات في اليوم والليلة فقال هل على غيرهن يا رسول الله قال لا إلا أن تطوع "الحديث" فقوله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم "لا" ينفي وجوب أي صلاة كانت غير الخمس فينفي وجوب قيام الليل كثيرًا كان أو قليلًا. وقد يجاب بأن مراد ابن عباس وغيره بالنسخ الانتقال من حكم إلى حكم وإن لم يكن بينهما تناف.
والصحيح ما تقدم من أن آخر السورة نسخ أولها فصار قيام الليل تطوعًا بعد فرضيته وأن الأمر في قوله (فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ) للندب، وإليه ذهبت عائشة وغيرها كما سيأتي. وحكاه محمد بن نصر في كتاب قيام الليل عن ابن عباس أيضًا واختاره
(قوله وناشثة الليل أوله) أي أول ساعاته يقال نشأ وأنشأ إذا خرج وابتدأ، وقيدها ابن عباس والحسن بما كان بعد العشاء، وكان زين العابدين يصلي بين العشاءين ويقول هذه ناشئة الليل، وقال ابن مسعود ناشئة الليل قيامه على أنها مصدر من نشأ إذا قام ونهض على وزن فاعلة كالعافية بمعنى العفو قاله الأزهري. وقال ابن قتيبة ناشئة الليل ساعاته لأنها تنشأ أي تبدو. ومنه نشأت السحابة إذا بدت. وقالت عائشة الناشئة القيام بعد النوم. وقيل هي القيام آخر الليل
(قوله وكانت صلاتهم لأول الليل) أي كانت صلاة الصحابة قيام الليل في أوله لئلا يستغرقهم النوم فلا يدركوا ما فرض عليهم من قيامه
(قوله يقول هو أجدر أن تحصوا الخ) أي يقول ابن عباس بيانًا لوجه ماذهب إليه من أن ناشثة الليل أوله إن القيام في أوله أحق بضبط مافرض عليهم من قيام الليل
(قوله هو أجدر أن يفقه في القرآن) هو تفسير من ابن عباس لقوله تعالى (وَأَقْوَمُ قِيلًا) ومعناه أن الليل أحق بأن يفهم فيه القرآن ما النهار لسكون الأصوات ولقلة الشواغل فيه. وقال مجاهد معناه أصون للقراءة وأثبت للقلب وقلة الرياء، وقرأ أنس أصوب قيلًا أي أصوب قراءة وأصح قولًا من النهار وفي رواية ابن جرير في تفسيره بسنده إلى ابن عباس قوله إن ناشئة الليل هي أشد وطأ يقول