للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حالهم فلا نتعرض لقتالهم ولا لأموالهم إلا بحق الإِسلام، وندع أمر بواطنهم إلى الله تعالى، فهو يثيب المخلص ويعاقب المنافق. وأفرد الضمير نظرًا للفظ من، وفي رواية البخاريّ وحسابهم على الله بالجمع نظرًا لمعناها

(قوله لأقاتلن من فرق بين الصلاة والزكاة) فرق بالتشديد والتخفيف أي أقام الصلاة ومنع الزكاة أو جحدها. وعزم أبو بكر رضي الله عنه على قتال من منع الزكاة لأنها أحد أركان الإِسلام مثل الصلاة، وخص الصلاة بالذكر لأنه قرن بينهما في اثنتين وثمانين آية، ولأنهما أصل العبادات البدنية والمالية، ولذا كانت الصلاة عماد الدين، والزكاة قنطرة الإِسلام

(قوله فإن الزكاة حق المال) أي أن الزكاة هي الفرض الذي فرضه الله في المال كما أن الصلاة حق النفس، فكما أن العصمة لا تتناول من لم يؤد الصلاة فكذلك لا تتناول من لم يؤد الزكاة. وعليه فهم داخلون في عموم أمرت أن أقاتل الناس

(وفي هذا) بيان أن الحق في قوله صلى الله عليه وآله وسلم إلا بحقه، يتناول حق المال وغيره، وكأن عمر فهم أنه لا يشمل الزكاة فأجاب أبو بكر بأنّه شامل لها أيضًا، ويحتمل أن يكون عمر ظن أن أبا بكر أراد مقاتلتهم لكفرهم فاستشهد بالحديث فأجابه الصديق بأنّه إنما يقاتلهم لمنعهم الزكاة

(قوله لو منعوني عقالًا) بكسر العين الحبل الذي يعقل به البعير وهو محكي عن مالك وابن أبي ذئب وغيرهما من المحققين، وهو مأخوذ مع الفريضة لأنّ علي صاحبها التسليم، وإنما يقع قبضها برباطها. والصحيح أن المراد به ما يساوي عقالًا من حقوق الصدقة لأنّ الكلام وارد على وجه المبالغة.

وقال النضر بن شميل إذا بلغت الإبل خمسًا وعشرين وجبت فيها بنت مخاض من جنس الإبل فهو العقال. وقال أبو سعيد الضرير كل ما أخذ من الأموال والأصناف في الصدقة من الإبل والغنم والثمار من العشر ونصف العشر فهذا كله في صنفه عقال، لأنّ المؤدي عقل به عنه طلبة السلطان وعقل عنه الإثم الذي يطلبه الله تعالى به اهـ.

قال العيني وذهب جماعة من العلماء إلى أن المراد بالعقال زكاة عام، وهو معروف في اللغة بذلك، واختاره أبو عبيد والمبرد والكسائي وغيرهم من أهل اللغة. وهو قول جماعة من الفقهاء، واحتجوا في ذلك بقول عمرو بن العلاء.

سعى عقالًا فلم يترك لنا سبدا ... فكيف لو قد سعى عمرو عقالين

أراد مدة عقال. وعمرو هذا هو ابن عتبة بن أبي سفيان الساعي، ولاه عمه معاوية بن أبي سفيان صدقات كلب فقال فيه قائلهم ذلك. والسبد بفتحتين القليل من الشعر، والمراد هنا لم يترك قليلًا من المال

(قوله لقاتلتهم على منعه) أي على ترك أدائه للإمام وهو ظاهر في أنه قاتلهم على ترك تأدية الزكاة للإمام لا على إنكار فرضيتها

(قوله فوالله ما هو إلا أن رأيت الخ) أي الحال والشأن أني علمت أن الله شرح صدر أبي بكر وفتح قلبه بالإلهام للقتال غيرة على أحكام الإِسلام فعلمت من الأدلة التي ذكرها والحجج التي أقامها أن رأيه هو الحق. ولعل النص الذي اعتمد عليه

<<  <  ج: ص:  >  >>