علي رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وعيناه تفيضان، فقلت يا نبي الله أغضبك أحد؟ قال بل قام من عندي جبريل قبل فحدثني أن الحسين يقتل بشط الفرات، فقال هل لك أن أشمك من تربته؟ قلت نعم، فمد يده فقبض قبضة من تراب فأعطانيها فلم أملك عينيّ أن فاضتا.
وروى نحوه عن أم سملة وغيرها من أمهات المؤمنين. وفيه قال النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم: يا أم سلمة إذا تحوّلت هذه التربة دمًا فاعلمى أن ابني قد قتل، فجعلتها أم سلمة في قارورة ثم جعلت تنظر إليها كل يوم وتقول: إن يومًا تتحولين فيه دمًا ليوم عظيم. قتل رضي الله تعالى عنه بكربلاء من أرض العراق يوم عاشوراء سنة إحدى وستين وهو ابن خمس وخمسين سنة أوست وخمسين
"وحاصل" ذلك ما حدّث به عمار بن معاوية الدهني قال: قال لأبي جعفر محمد بن علي بن الحسين حدّثني بقتل الحسين قال: مات معاوية، والوليد بن عتبة ابن أبي سفيان واليًا على المدينة، فأرسل إلى الحسين بن عليّ ليأخذ بيعته فقال أخرني فأخره، فخرج إلى مكة فأتاه رسل أهل الكوفة وقالوا إنا قد حبسنا أنفسنا عليك ولسنا نحضر الجمعة مع الوالي فاقدم علينا "وكان النعمان بن بشير واليًا علي الكوفة" فبعث الحسين إليهم مسلم بن عقيل بن أبي طالب فقال له: سر إلى الكوفة فانظر ما كتبوا به إليّ فإن كان حقًا قدمت إليهم، فخرج مسلم حتى أتى المدينة فأخذ منها دليلين فمرا بالبرّية فأصابهم عطش حتى مات أحد الدليلين، وسار مسلم حتى قدم الكوفة، فلما علم أهلها بقدومه دبوا إليه فبايعه منهم اثنا عشر ألفًا، فقام رجل اسمه عبد الله بن مسلم ممن يحب يزيد بن معاوية إلى النعمان بن بشير فقال: إنك ضعيف قد فسد عليك البلد. فقال النعمان: لأن أكون ضعيفًا في طاعة الله أحب إليّ من أن أكون قويًا في معصيته، فكتب الرجل بذلك إلى يزيد بن معاوية، فدعا يزيد مولى له يقال له "سرحون" فاستشاره فقال له: ليس للكوفة إلا عبيد الله ابن زياد، وكان يزيد ساخطًا عليه قد همّ بعزله عن البصرة، فكتب إليه برضاه عنه، وأنه قد أضاف إليه الكوفة، وأمره أن يطلب مسلم بن عقيل ويقتله إن ظفر به، فأقبل عبيد الله بن زياد في وجوه أهل البصرة حتى قدم الكوفة متلثمًا فلا يمرّ علي مجلس فيسلم على أهله إلا قالوا: السلام عليك يابن رسول الله، يظنونه الحسين، فلما نزل عبيد الله قصر الإمارة، دعا مولى له ودفع إليه ثلاثة آلاف درهم وقال: اسأل عن الرجل الذي يبايعه أهل الكوفة وأعلمه أنك من حمص وادفع إليه المال وبايعه، فلم يزل المولى يتلطف حتى دلوه علي شيخ يتولى البيعة فذكر له أمره فقال: قد سرني إذ هداك الله وساءني أن أمرنا لم يستحكم بعد. تم أدخله على مسلم بن عقيل فبايعه ودفع إليه المال وخرج إلى عبيد الله بن زياد فأخبره، وقد تحول مسلم بن عقيل حين قدم عبيد الله بن زياد من الدار التي كان فيها إلى دار هانئ بن عروة المرادي، وكتب مسلم إلى الحسين يخبره ببيعة اثنى عشر ألفًا من الكوفة ويأمره بالقدوم، وقال ابن زياد لأهل الكوفة: ما بال هانئ بن عروة لم يأتني