أن العمل الصالح في الأيام العشر المذكورة يعطى الإنسان عليه أجرا عظيما لا يعطاه عليه لو عمله في غيرها جهادا كان أو غيره. ولعل استغراب الصحابة دخول الجهاد في هذه الأعمال، لما يترتب على الجهاد فيها من ضياع أعمال الحج. ويحتمل أن المراد أن العمل الصالح في الأيام العشر وإن قل أفضل من العمل في غيرها وإن عظم، ولذا استغربت الصحابة دخول الجهاد في الأعمال المفضولة لأنهم كانوا يرونه أفضل الأعمال. فقد روى البخارى عن أبي هريرة قال: جاء رجل إلى رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فقال: دلنى على عمل يعدل الجهاد قال لا أجده قال هل تستطيع إذا خرج المجاهد أن تدخل مسجدك فتقوم ولا تفتر وتصوم ولا تفطر؟ قال ومن يستطيع ذلك؟ قال أبو هريرة: إن فرس المجاهد ليستن في طوله فيكتب له حسنات. وقوله ليستن أي يمرح، والطول بكسر الطاء وفتح الواو الحبل الذي تشدّ به الدابة (ويجمع) بين هذا الحديث وحديث الباب بأن هذا الحديث عام مخصوص بحديث الباب، فكأن النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال: لا أجد عملا صالحا يساوى الجهاد أو يفضله إلا العمل الصالح في عشر ذى الحجة. ويحتمل أن يكون المراد بالجهاد في حديث البخارى جهاد رجل خرج ولم يرجع لا بنفسه ولا بماله كما ذكره المصنف بقوله "إلا رجل خرج بنفسه وماله فلم يرجع من ذلك بشئ فإن عمله أفضل الأعمال مطلقا لأنه بلغ مبلغا لا يكاد يتفاوت بشرف الزمان والمكان، لأن الله تعالى رزقه الشهادة، أو أنه فقد جميع ماله في سبيل الله وإن رجع هو بنفسه
(قوله فلم يرجع بشئ من ذلك) أى قتل في سبيل الله وأخذ ماله
(الفقه) دل الحديث على تفضيل بعض الزمن على بعض. وعلى الترغيب في العمل في عشر ذى الحجة. وعلى أن العمل فيها أفضل من العمل في غيرها. وروى ابن ماجه من طريق قتادة عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم "ما من أيام الدنيا أيام أحب إلى الله سبحانه أن يتعبد له فيها من أيام العشر. وإن صيام يوم فيها ليعدل صيام سنة وليلة فيها بليلة القدر" وهو ضعيف، لأن في سنده مسعود بن واصل والنهاس ابن قهم وفيهما مقال (قال في الفتح) وتظهر فائدة الأفضلية فيمن نذر الصيام أو علق عملا من الأعمال بأفضل الأيام، فلو أفرد يوما منها تعين يوم عرفة لأنه على الصحيح أفضل أيام العشر المذكورة، فإن أراد أفضل أيام الأسبوع تعين يوم الجمعة جمعا بين حديث الباب وبين حديث أبي هريرة مرفوعا "خير يوم طلعت فيه الشمس يوم الجمعة" رواه مسلم وقال الداودى: لم يرد صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أن هذه الأيام خير من يوم الجمعة، لأنه قد يكون فيها يوم الجمعة فيلزم تفضيل الشئ على نفسه "ورد" بأن المراد أن كل يوم من أيام العشر أفضل من غيره من أيام السنة سواء أكان يوم الجمعة أم لا. ويوم الجمعة فيها أفضل من يوم الجمعة من غيره لاجتماع