الوضوء منها لمعنيين (أحدهما) أن يكون الوضوء شكرا لما أنعم الله علينا من إباحتها بعد تحريمها على من قبلنا (وثانيهما) أن يكون الوضوء علاجا لما عسى أن يختلج في بعض الصدور من إباحتها بعد ما حرّمها الأنبياء من بني إسرائيل فإن النقل من التحريم إلى كونه مباحا يناسبه إيجاب الوضوء منه ليكون أقرب لاطمئنان نفوسهم اهـ ببعض تصرّف (وذهب) الأكثرون إلى أن أكل لحوم الإبل غير ناقض للوضوء منهم الخلفاء الأربعة وابن مسعود وأبىّ بن كعب وابن عباس وأبو الدرداء وأبو طلحة وعامر بن ربيعة وأبو أمامة وجماهير التابعين ومالك وأبو حنيفة والشافعى وأصحابهم وقالوا المراد بالوضوء في الحديث الوضوء اللغوى لا الشرعي لأن في لحوم الإبل دسومة لا توجد في غيرها (قال) الخطابى تأوّل عامة الفقهاء الوضوء على الوضوء الذى هو النظافة ونقى الدسومة، ومعلوم أن في لحوم الإبل من الحرارة وشدّة الزهومة ما ليس في لحوم الغنم كما روى توضؤوا من لحوم الإبل فإن له دسما فكان معنى الوضوء منصرفا إلى غسل اليد لوجود سببه دون الوضوء الذى هو من أجل رفع الحدث لعدم سببه اهـ ويؤيده ما روى عن ابن مسعود وعلقمة أنهما خرجا يريدان الصلاة فجيء بقصعة من بيت علقمة فيها ثريد ولحم فأكلا فمضمض ابن مسعود وغسل أصابعه ثم قام إلى الصلاة. وعن ابن مسعود قال لأن أتوضأ من الكلمة المنتنة أحب إلىّ من أن أتوضأ من اللقمة الطيبة. وعن أبان بن عثمان أن عثمان رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ أكل خبزا ولحما وغسل يديه ثم مسح بهما وجهه ثم صلى ولم يتوضأ. وعن عبيد بن حنين قال رأيت عثمان أتى بثريد فأكل ثم تمضمض ثم غسل يده ثم قام فصلى للناس ولم يتوضأ. وعن سعيد بن جبير أن ابن عباس أتى بجفنة من ثريد ولحم عند العصر فأكل منها فأتى بماء فغسل أطراف أصابعه ثم صلى ولم يتوضأ. وعن أبى نوفل بن أبى عقرب الكناني قال رأيت ابن عباس أكل خبزا رقيقا ولحما حتى سال الودك على أصابعه فغسل يده وصلى المغرب أخرج هذه الآثار كلها الطحاوى فهؤلاء العظماء من الصحابة لما لم يتوضؤوا من أكل ما مسته النار وضوءا اصطلاحيا واكتفوا بالوضوء اللغوى علم بذلك أن المراد هنا بالوضوء الوضوء اللغوى لا الاصطلاحى وعلى فرض أن المراد الوضوء الاصطلاحى فقد نسخ بما رواه الترمذى والنسائى وابن ماجه وسيأتى للمصنف عن جابر أنه كان آخر الأمرين من رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ترك الوضوء مما مست النار فقد دلّ على تحقيق الوضوء والترك مما مست النار وأن الترك كان آخر الأمرين فارتفع وجوبه ولذا قال الترمذى وكان هذا الحديث ناسخ لحديث الوضوء مما مست النار، ولما كان لحم الإبل فردا مما مسته النار وقد نسخ وجوب الوضوء منه بجميع أفراده فاستلزم نسخ وجوبه من لحم الإبل (فما قاله) النووى من أن هذا الحديث عام وحديث الوضوء من لحم الإبل خاص والخاص مقدّم على العام (مندفع) بأنا لا نسلم أن نسخه لكونه خاصا