استحباب التبكير إلى الجمعة أول النهار وبه قال الشافعى وابن حبيب المالكي. والساعات عندهم من أول النهار والرواح يكون أول النهار وآخره كما قاله الأزهرى وهذا هو الصواب الذى يقتضيه الحديث والمعنى لأن النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أخبر أن الملائكة تكتب من جاء في الساعة الأولى وهو كالمهدى بدنه ثم من جاء في الثانية ثم الثالثة ثم الرابعة ثم الخامسة وفى رواية النسائى السادسة وفي رواية مسلم والنسائى فإذا خرج الإمام طووا الصحف ولم يكتبوا بعد ذلك أحدا. ومعلوم أن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كان يخرج إلى الجمعة متصلا بالزوال وهو بعد انقضاء السادسة فدلّ على أنه لا شيء من الفضيلة لمن جاء بعد الزوال فلا يصح حمل الرواح على ما بعد الزوال. ولأن ذكر الساعات إنما كان للحث على التبكير إليها والترغيب في فضيلة السبق وتحصيل الصف الأول وانتظار الصلاة والاشتغال بالتنفل والذكر ونحوهما ولا يحصل هذا بعد الزوال. ولا فضيلة لمن أتى بعد الزوال لأن النداء يكون حينئذ ويحرم التخلف بعد النداء (واختلف) العلماء هل تعتبر الساعات من طلوع الفجر أم من طلوع الشمس (فقال) الروياني إن ظاهر كلام الشافعى أن التبكير يكون من طلوع الفجر وصححه الرافعى والنووى (وقال) الماوردى الأصح أنه من طلوع الشمس لأن ما قبل ذلك زمان غسل وتأهب (وقال) الرافعىّ ليس المراد من الساعات الساعات الفلكية وإنما المراد ترتيب الدرجات وتفضيل السابق على الذى يليه ومن جاء في أول ساعة من هذه الساعات ومن جاء في آخرها مشتركان في تحصيل أصل البدنة أو البقرة أو الكبش ولكن بدنه الأول أكمل من بدنة من جاء في آخر الساعة وبدنة المتوسط متوسطة وهذا كما أن صلاة الجماعة تزيد على صلاة المنفرد بسبع وعشرين درجة ومعلوم أن الجماعة تطلق على اثنين وعلى ألوف فمن صلى في جماعة هم عشرة آلاف له سبع وعشرون درجة ومن صلى مع اثنين له سبع وعشرون درجة لكن درجات الأول أكمل. وأشباه هذا كثيرة. وقوله فكأنما قرّب بدنة أى تصدّق كقوله تعالى "إذ قرّبا قربانا" أى تصدّقا متقرّبين إلى الله تعالى. وقيل المراد أن للمبادر في أول ساعة نظير ما لصاحب البدنة من الثواب ممن شرع له القربان لأن القربان لم يشرع لهذه الأمة على الكيفية التى كانت للأمم الماضية. وقيل ليس المراد بالحديث إلا بيان تفاوت المبادرين إلى الجمعة في الثواب وأن نسبة ثواب الثاني إلى الأول كنسبة البقرة إلى البدنة في القيمة مثلا ويدلّ عليه أن في مرسل طاوس عند عبد الرزاق كفضل صاحب الجزور على صاحب البقرة وقيل معناه الإهداء بها إلى الكعبة لما في رواية للبخارى من قول النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ومثل المهجر كمثل الذى يهدى بدنة من الإهداء (وردّ) بأن إهداء الدجاجة والبيضة غير معهود فالوجه حمل رواية البخارى على التصدق أيضا. ولا وجه للردّ لأن الكلام وقع على التشبيه أى لو كان إهداء الدجاجة والبيضة ثابتا وأهدى أحد ذلك حصل له ثوابه فكذلك من أتى