للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

قال العلامة المحدث الكبير الشيخ محمد زكريا (١): إن أهل العلم اختلفوا في مسالك أئمة الحديث، فبعضهم عدوهم كلهم من المجتهدين وآخرون عدوهم كلهم من المقلدين.

والأوجه عندي أن فيهم تفصيلًا: فإن الإِمام أبا داود عندي حنبلي قطعًا، متشدد في مسلك الحنابلة، كالطحاوي في الحنفية.

ولا يشك في ذلك من أمعن النظر في "سنن أبي داود"، فإنه رحمه الله كثيرًا ما أشار إلى ترجيح مسلكهم، بخلاف الروايات المعروفة، كما أشار إلى ذلك بتبويب البول قائمًا، والمعروف عنه - صلى الله عليه وسلم - البول جالسًا، ولم يذكر هذه الرواية في الباب مع أنه أخرجها في موضع آخر، وترجم بباب الوضوء بفضل طهور المرأة، ثم ذكر بعد ذلك باب النهي عن ذلك إشارة إلى تأخره، وترجم بباب الوضوء مما مست النار، وترجم بعد ذلك بباب التشديد في ذلك، كأنه رجح أن الأمر وقع فيه التشديد بعد التخفيف، ويظهر نظائر ذلك كثيرًا لمن أمعن النظر في الكتاب (٢).

وقال في موضع آخر: والذي تحقق لي أن أبا داود حنبلي بلا ريب، لا ينكر ذلك من أمعن النظر في "سننه"، والإِمام البخاري عندي مجتهد برأسه، وهذا أيضًا ظاهر من ملاحظة تراجمه بدقة النظر لمن يعرف اختلاف الأئمة (٣).


(١) هو: أستاذنا المحدث الكبير العلامة محمد زكريا الكاندهلوي صاحب "أوجز المسالك" وغيره من المؤلفات الكثيرة والتعليقات النافعة على الكتب الستة، نزيل المدينة المنورة، مولده عام ١٣١٥ هـ. وقد توفي سنة ١٤٠٢ هـ بالمدينة المنورة، ودفن في البقيع، بجوار رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، انظر ترجمته في كتاب "تذكرة حياته" لسماحة الشيخ السيد أبي الحسن الندوي، و"الإِمام المحدث محمد زكريا الكاندهلوي وآثاره في علم الحديث" لولدي العزيز الدكتور ولي الدين الندوي.
(٢) "مقدمة لامع الدراري" (ص ٧٢).
(٣) المرجع السابق (ص ٦٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>