للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

===

والذين أنكروا عليه من الصحابة لم يكن عندهم دليل يوجب المنع إلَّا الحث على اتباع السلف في ترك الرفاهية، وهذا كما ترى لا يقتضي التحريم ولا الكراهية.

وأما حديث أبي داود هذا فهو أيضًا لا يدل على المنع، ودلالته على المنع ممنوعة، فإن فيه "ما أمرت بتشييد المساجد" فنفي كون التشييد مأمورًا به لا يقتضي الكراهة، فإن نفي الوجوب يصدق بجواز الفعل أيضًا فلا يستوجب الكراهة، وأما قول ابن عباس: "لتزخرفنها" فلا دليل فيه أيضًا, لأنه موقوف على ابن عباس، ولو سلم رفعها حكمًا فهو محمول على التزيين، والزخرفة التي تلهي بال المصلي، أو تكون مباهاة ورياءً وسمعةً كما تفعله اليهود والنصارى.

والأمر الرابع: أن يبنى المسجد بالغصب بأخذ أموال الناس ظلمًا.

والخامس: بأنه يبنيه الواقف بمال الوقف فهذا أيضًا حرام لم يرخص فيه أحد من العلماء.

ثم اعلم أنه قد ثبت أن عبد الله بن الزبير -رضي الله تعالى عنه - قد بني الكعبة ورفع بناءها على ما كان قبل ذلك من البناء، وشَيَّدها.

واللذين خالفوه ما كان عندهم حجة إلَّا أنهم يقولون: لا ينبغي أن يغير عما كانت عليه، كما أشار ابن عباس على ابن الزبير لما أراد أن يهدم الكعبة ويجدد بناءها بأن يرِمَّ ما وهي منها, ولا يتعرض لها بزيادة ونقصان، وقال له: لا آمن أن يجيء من بعدك أمير فيغير الذي صنعت، وقد حكي عن الرشيد أو المهدي أو المنصور أنه أراد أن يعيد الكعبة على ما فعله ابن الزبير، فناشده مالك في ذلك، وقال: أخشى أن يصير ملعبة للملوك فتركه، فإنكار الشوكاني وغيره على تشييد المساجد مطلقًا من غير تفصيل ليس في محله.

<<  <  ج: ص:  >  >>