"واعلموا- رحمكم الله- أن كتاب السنن لأبي داود كتاب شريف لم يصنّف في علم الدين كتاب مثله، فقد رزق القبول من الناس كافة، وصار حَكَمًا بين فرق العلماء وطبقات القرّاء على اختلاف مذاهبهم، فلكل فيه وِرد، ومنه شرْب، وعليه معول أهل العراق وأهل مصر وبلاد المغرب وكثير من المدن في أقطار الأرض".
ولقد شرح هذا الكتاب كثير من العلماء السلف والخلف.
وكان نصيب علماء الهند من خدمة هذا الكتاب وشرحه نصيبًا غير منقوص، كشأنهم في خدمة علم الحديث عامة، وخدمة الصحاح الستة بصفة خاصة.
وقد قام بشرحه أخيرًا المحدث الكبير العالم الرباني الجليل الشيخ خليل أحمد السهارنفوري، وكان كبير أساتذة الحديث الشريف في جامعة مظاهر العلوم، ورئيسًا للقسم، وكان من أعظم علماء عصره، والربانيين الكبار في عهده، وكان اعتناؤه بـ "سنن أبي داود"- تدريسًا وتحقيقًا- كبيرًا وطويلًا.
وكانت فكرته لشرح هذا الكتاب تراوده منذ أيام الطلب وعنفوان الشباب، وكان يتمنّى على الله أن يُوَفَّقَ لهذا العمل الجليل.
ولما بلغ الشيخ أربعًا وستين سنة من عمره، وذلك في سنة ١٣٣٥ هـ، جاء الوقت المقدّر له من الله لتحقيق أمنيته القديمة التي لم تفارقه طيلة مدة اشتغاله بتدريس الحديث الشريف السابقة.
ونظرًا إلى ضعف صحته وشيخوخته أراد أن يكون في التعاون معه في هذا العمل الجليل بعض خيرة تلاميذه ممن كانوا يشتغلون في المدرسة معه بتدريس الحديث الشريف ومتعلقاته، ووقع اختياره لذلك على تلميذه النابغ سماحة الشيخ محمد زكريا الكاندهلوي ابن صديقه الشيخ محمد يحيى الكاندهلوي - رحمهم الله-، وكان من أقرب المتصلين به، فلم يستجب