للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وَأْتُوهَا تَمْشُونَ، وَعَلَيْكُمُ السَّكِينَةُ،

===

مسرعين في المشي وإن خفتم فوت الصلاة، كذا قال بعض علمائنا، والنهي إنما هو الإسراع المفضي إلى تشتت البال وعدم استقامة الحال.

(وأتوها تمشون) أي وأتوا للصلاة حال كونكم تمشون بالطمأنينة والسكون، إن قلت: قوله: "فلا تأتوها تسعون، وأتوها تمشون" ما هذا إلَّا كما تقول: "لا تأكل لحم الفرس، ولكن كل لحم الحيوان"، وهو كلام ضعيف، قلت: لا نسلم ضعفه, لأن المراد لحم حيوان غيره، وإن سلم فالقيد موجود في الحديث وهو قوله: (وعليكم السكينة) مع أن السعي قد يكون مشياً، كقوله تعالى: {فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ} (١)، وقد يكون عدوًا، كقوله تعالى: {وَجَاءَ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعَى} (٢)، وقد يكون عملًا، كقوله تعالى: {وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى} (٣).

ثم من خاف فوت التكبيرة الأولى، فقيل: إنه يسرع، فإن عمر - رضي الله تعالى عنه - سمع الإقامة بالبقيع فأسرع إلى المسجد، وقيل: إنه يهرول، ومنهم من اختار يمشي على وقار للحديث, لأن من قصد الصلاة فكأنه في الصلاة، والأظهر إسراع مع السكينة إحرازًا للفضيلتين، ولقوله تعالى: {وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ} (٤)، وفي بعض الروايات جمع بين السكينة والوقار، فقيل: هما بمعنى، والحق أن السكينة التأني في الحركات واجتناب العبث ونحو ذلك، والوقار في الهيئة وغض البصر وخفض الصوت، والإقبال على طريقه من غير التفات ونحو ذلك، قاله الطيبي، والأظهر أن المراد بالسكينة سكون القلب وحضوره وخشوعه وخضوعه وأمثال ذلك، وبالوقار سكون القلب من الهيئات الغير المناسب للسالك.


(١) سورة الجمعة: الآية ٩.
(٢) سورة يس: الآية ٢٠.
(٣) سورة النجم: الآية ٣٩.
(٤) سورة آل عمران: الآية ١٣٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>