وأما الحنفية ومن وافقهم في عدم جواز اقتداء المفترض بالمتنفل استدلوا عليه أولًا: بما روي أن النبي - صلى الله عليه وسلم - صلَّى بالناس صلاة الخوف، فجعل الناس طائفتين، وصلَّى بكل طائفة شطر الصلاة لينال فريق فضيلة الصلاة، ولو جاز اقتداء المفترض بالمتنفل لأتم الصلاة بالطائفة الأولى، ثم نوى النفل، وصلى بالطائفة الثانية، لينال كل طائفة فضيلة الصلاة خلفه من غير الحاجة إلى المشي وأفعال كثيرة ليست من الصلاة.
وثانيًا: بما أخرجه الإِمام أحمد بسند صحيح عنه - صلى الله عليه وسلم - قال:"الإِمام ضامن"، بمعنى أنه تضمن صلاته صلاة المقتدي، والمفترض أقوى حالًا من المتنفل، والشئ لا يتضمن ما هو فوقه.
وثالثًا: بما أخرجه الطحاوي بسنده أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال لمعاذ:"يا معاذ لا تكن فتانًا، إما أن تصلي معي، وإما أن تخفف على قومك"، والذي صح عند أئمتنا وترجح أن معاذ بن جبل كان يصلي مع النبي - صلى الله عليه وسلم - نفلًا، وبقومه فرضًا، لقوله حين شكوا تطويله بهم:"يا معاذ إما أن تصلي معي، وإما أن تخفف على قومك"، فشرع له أحد الأمرين: الصلاة معه ولا يصلي بقومه، أو الصلاة بقومه على وجه التخفيف ولا يصلي معه، هذا حقيقة اللفظ، فأفاد منعه من الإمامة إذا صلَّى معه عليه السلام، ولا تمتنع إمامته مطلقًا بالاتفاق، فعلم أنه منعه من الفرض.
ورابعًا: بما أخرجه مسلم في "صحيحه" في "باب ائتمام المأموم بالإمام": حدثنا قتيبة بن سعيد قال: نا المغيرة يعني الحِزامي، عن أبي الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال:"إنما جعل الإِمام ليؤتم به، فلا تختلفوا عليه"، الحديث.
قال النووي (١): قوله عليه السلام: "إنما جعل الإِمام ليؤتم به"، فمعناه