معاذ بن جبل، فينادي بالصلاة، فنأتيه فيطول علينا فقال له النبي - صلى الله عليه وسلم -: "يا معاذ لا تكن فتانًا إما أن تصلي معي، وإما أن تخفف عن (١) قومك".
فقول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - هذا لمعاذ يدل على أنه عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يفعل أحد الأمرين: إما الصلاة معه أو بقومه، وأنه لم يكن يجمعهما, لأنه قال:"إما أن تصلي معي" أي ولا تصل بقومك، "وإما أن تخفف قومك" أي ولا تصل معي.
فلما لم يكن في الآثار الأول من قول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - شيء، وكان في هذا الأثر ما ذكرنا، ثبت بهذا الأثر أنه لم يكن من رسول الله في ذلك لمعاذ شيء متقدم، ولا علمنا أنه كان في ذلك أيضًا منه شيء متأخر، فيجب به الحجة علينا، انتهى.
فأجاب عنه الحافظ ابن حجر بقوله: وأما استدلال الطحاوي أنه - صلى الله عليه وسلم - نهى معاذًا عن ذلك بقوله في حديث سليم بن الحارث:"إما أن تصلي معي، وإما أن تخفف بقومك"، ودعواه أن معناه "إما أن تصلي معي ولا تصل بقومك، وإما أن تخفف بقومك ولا تصل معي" ففيه نظر, لأن لمخالفه أن يقول: بل التقدير إما أن تصلي معي فقط، إذا لم تخفف، وإما أن تخفف بقومك فتصلي معي، وهو أولى من تقديره، لما فيه من مقابلة التخفيف بترك التخفيف, لأنه هو المسؤول عنه المتنازع فيه، انتهى.
فرده العيني بقوله: قلت: الذي قدره المخالف باطل, لأن لفظ الحديث:"لا تكن فتانًا، إما أن تصلي معي، وإما أن تخفف عن قومك"، فهذا يدل على أنه يفعل أحد الأمرين: إما الصلاة معه أو بقومه، ولا يجمعهما، فدل على أن المراد عدم الجمع والمنع، وكل أمرين بينهما منع الجمع كان بين نقيضيهما منع الخلو، كما قد بين هكذا في موضعه.