الطحاوي ثانيًا بقوله: وإن كانوا لم يقضوا، فإن ذلك عندنا لا حجة لهم فيه أيضًا, لأنه يجوز أن يكون ذلك كان من رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، والفريضة تصلَّى حينئذ مرتين، فيكون كل واحدة منهما فريضة، وقد كان ذلك يفعل في أول الإِسلام ثم نسخ، أو يقال: إن ذكر السلام اختلفت الرواية فيه، ولم يذكر أكثر الرواة، فوقع الشك فيه، فلا يفيد ثبوت الحكم، والله أعلم.
قلت: وهذا تبرع من العلامة العيني، فليس على المانع أن يستدل على منعه، فإن الاحتمال يكفيه، وقول ابن دقيق العيد: بأنه يتضمن إثبات النسخ بالاحتمال، عجيب من مثله، فإن جواز الصلاة في اليوم مرتين ونسخه ثابت ليس فيه احتمال أصلًا، نعم وقوع فعل معاذ إما أن يكون قبل النسخ، ويحتمل أن يكون بعده، فلما احتمل أن يكون وقوعه قبل النسخ فسد الاستدلال به حتى يثبت أنه وقع بعد النسخ، ودون إثباته خرط القتاد.
ثم رد العلامة العيني ما أجاب به الحافظ بقوله: وفي الاستدلال بذلك على تقدير صحته نظر، بقوله: قلت: إن كان الرد بالاحتمال، ونحن أيضًا نقول:[يحتمل] أن يكون النهي في ذلك لأجل أن أحدًا يقتدي به في واحدة من الصلاتين اللتين صلاهما على أنهما فرض، وفي نفس الأمر فرضه إحداهما من غير تعيين، فيكون الاقتداء به في صلاة مجهولة، فلا يصح، انتهى.
ثم استدل الطحاوي (١) على أن فعل معاذ هذا لم يكن بأمر رسول الله ولا بعلمه، فإنه روينا عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما يدل على خلاف ذلك، حدثنا فهد، ثنا يحيى بن صالح الوحاظي، ح وثنا علي بن عبد الرحمن، ثنا عبد الله بن مسلمة بن قعنب، قالا: ثنا سليمان بن بلال، ثنا عمرو بن يحيى المازني، عن معاذ بن رفاعة الزرقي أن رجلًا من بني سلمة يقال له: سليم أتى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: إنا نظل في أعمالنا، فنأتي حين نمسي، فنصلي فيأتي