والجواب عنه بأن حديث معاوية بن قرة الذي عليه مدار استدلالهم ضعيف, لأن في إسناده هارون بن مسلم البصري، وهو مجهول، كما نقله الشوكاني عن أبي حاتم، فالقيد لا يمكن أن يثبت إلَّا بهذا الحديث، وهذا الحديث لا يحتج به، فلا يثبت القيد، فلا يحمل المطلق على المقيد، وأما حديثا أنس فقد سقطا بما صح عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه صلَّى في الكعبة بين الساريتين، فعلى هذا لم يبق إلَّا جواز الصلاة بين السواري، وهذا أعدل الأقوال وأقواها في هذا الباب.
فقول الشوكاني: وما تقدم من قياس المؤتمين على الإِمام والمنفرد فاسد الاعتبار لمصادمته لأحاديث الباب، غلط وفاسد، وقول المجوزين مؤيد بالحديث الصحيح.
وقد صرح شمس الأئمة السرخسي في "مبسوطه"(١) في باب صلاة الجمعة: والاصطفاف بين الأسطوانتين غير مكروه, لأنه صف في حق كل فريق وإن لم يكن طويلًا، وتخلل الأسطوانة بين الصف كتخلل متاع موضوع، أو كفرجة بين الرجلين، وذلك لا يمنع صحة الاقتداء ولا يوجب الكراهة، انتهى.
وفي رواية أخرجها الترمذي والنسائي عن عبد الحميد بن محمود قال:"صلينا خلف أمير من الأمراء، فاضطرَّنا الناس فصلينا بين الساريتين، فلما صلينا قال أنس بن مالك: كنا نتقي هذا على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - "، وهذا الحديث يدل على أنهم صلَّوا بين الساريتين، وحديث أبي داود يدل على أنهم لم يصلوا بين الساريتين بل تقدموا وتأخروا.
فالجواب عنه لعل بعض من وجد الفرجة في الصف المقدم أو المؤخر تقدم وتأخر، وبعض من لم يجد الفرجة صلَّى بين الساريتين، ولأجل ذلك وقع الاختلاف في البيان.