قال النووي (١): فيه دليل على تخفيف القراءة والتشهد، وإطالة الطمأنينة في الركوع والسجود وفي الاعتدال عن الركوع وعن السجود، وقوله:"قريبًا من السواء"، يدل على أن بعضها كان فيه طول يسير على بعض، وذلك في القيام، ولعله أيضًا في التشهد.
واعلم أن هذا الحديث محمول على بعض الأحوال، وإلَّا فقد ثبتت الأحاديث السابقة بتطويل القيام، وأنه - صلى الله عليه وسلم - كان يقرأ في الصبح بالستين إلى المئة، وفي الظهر بـ: الم السجدة، وأنه كانت تقام الصلاة، فيذهب الذاهب إلى البقيع، فيقضي حاجته، ثم يرجع فيتوضأ، ثم يأتي المسجد، فيدرك الركعة الأولى، وأنه قرأ في المغرب بالطور والمرسلات، وفي البخاري بالأعراف، وأشباه هذا، وكله يدل على أنه - صلى الله عليه وسلم - كانت له في إطالة القيام أحوال بحسب الأوقات.
وهذا الحديث الذي نحن فيه جرى في بعض الأوقات، وقد ذكره مسلم في الرواية الأخرى، ولم يذكر فيه القيام، وكذا ذكره البخاري، وفي رواية البخاري:"ما خلا القيام والقعود"، وهذا تفسير الرواية الأخرى، وقوله:"فجلسته بين التسليم والانصراف"، دليل على أنه - صلى الله عليه وسلم - كان يجلس بعد التسليم والانصراف شيئًا يسيرًا في مصلاه.
وقال مولانا محمد يحيى المرحوم من تقرير شيخه - رحمه الله- في شرح قوله:"فجلسته بين التسليم والانصراف": هذه الجلسة ممكن أن يراد به التشهد والقعدة الأخيرة، وكونها بين التسليم والانصراف باعتبار أن يراد بالتسليم السلام عليك أيها النبي، والانصراف هو تسليم التحليل، وأن يراد به جلوسه - صلى الله عليه وسلم - لانتظار ذهاب النساء، فالتسليم إذًا هو تسليم التحليل والانصراف هو رجوعه إلى بيته - صلى الله عليه وسلم -، انتهى.