والثالث: أنه أمره بالطمأنينة، ومطلق الأمر للفرضية، وأبو حنيفة ومحمد احتجا لنفي الفرضية بقوله تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا}(١) أمر بمطلق الركوع والسجود، والركوع الانحناء والميل، والسجود هو التطأطؤ والخفض والوضع، فإذا أتى بأصل الانحناء والوضع فقد امتثل لإتيانه بما يطلق عليه الاسم، فأما الطمأنينة فدوام على أصل الفعل، والأمر بالفعل لا يقتضي الدوام.
وأما حديث الأعرابي فهو من الآحاد، فلا يصلح ناسخًا للكتاب، ولكن يصلح مكملًا، فيحمل أمره بالاعتدال على الوجوب، ونفيه الصلاة على نفي الكمال، وتمكن النقصان الفاحش الذي يوجب عدمها، وأمره بالإعادة على الوجوب جبرًا للنقصان، أو على الزجر عن المعاودة إلى مثله، كالأمر بكسر دنان الخمر عند نزول تحريمها تكميلًا للغرض على أن الحديث حجة عليهما، فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - مكن الأعرابي من المضي في الصلاة في جميع المرات، ولم يأمره بالقطع، فلو لم تكن تلك الصلاة جائزة لكان الاشتغال بها عبثًا، إذ الصلاة لا تمضي في فاسدها، فينبغي أن لا يمكنه.
ثم الطمأنينة في الركوع واجبة عند أبي حنيفة ومحمد كذا ذكره الكرخي، حتى لو تركها ساهيًا يلزمه سجود السو، وذكر أبو عبد الله الجرجاني: أنها سنة حتى لا يجب سجود السهو بتركها ساهيًا، وكذا القومة التي بين الركوع والسجود، والقعدة التي بين السجدتين، والصحيح ما ذكره الكرخي, لأن الطمأنينة من باب إكمال الركن، وإكمال الركن واجب كإكمال القراءة بالفاتحة.
ألا ترى أن النبي - صلى الله عليه وسلم - ألحق صلاة الأعرابي بالعدم، والصلاة إنما يقضى عليها بالعلم إما لانعدامها بترك الركن، أو بانتقاصها بترك الواجب، لتصير عدمًا من وجه، فأما ترك السنَّة فلا يلتحق بالعدم, لأنه لا يوجب نقصانًا فاحشًا،