وكاتب هذه السطور يشهد الله على أن هذه الكتابات لم تخدعه عن نفسه، وقد كان يتقدم إليها في كل مرة متهيبًا خاشعًا أمام جلال الموضوع، ومكانة الكتاب العلمية، ومنزلة المؤلف الدينية، وعلو كعبه واختصاصه في علم الحديث، مؤمنًا بضآلة قدر نفسه، وقلة بضاعته، وبأنه متطفل على مائدة هذا الفن الشريف، يعتبر- عَلِمَ الله- أن إقدامه إلى هذا التقديم جسارة تكاد تكون وقاحة وإساءة أدب وقلة حياء، وبأن في القطر الهندي وحده، فضلًا عن شبه القارة الهندية، فضلًا عن العالم الإِسلامي، من هو أجدر وأقدر وأولى بهذه التقديمات، والتعريف بالتأليف والمؤلف.
ولا يستطيع الكاتب أن يُعلِّل هذا التكريم المتكرر إلَّا بحكمة إلهية خفية، وأسلوب من أساليب التربية، التي خص الله بها كبار المربين وحُذَّاق المعلمين، وأن لهم في ذلك مرامي بعيدة ومقاصد دقيقة {وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ}(١) ,ولعل ذلك لإِثارة كوامن الشوق وتشحيذ العزم الفاتر، والهمَّة الكليلة في دراسة هذا الفن الشريف، وإعادة الخيط النوراني الذي يربط القلوب بهذا العلم، والذي ضعف وكاد ينقطع.
وعلى كلٍّ فالكاتب يعتقد كل ذلك من أعظم نعم الله سبحانه وتعالى عليه، التي لا يستوفي حق شكرها.
فلو أن لي في كل منبت شعرة ... لسانًا لما استوفيت واجب حمده
وكتاب "بذل المجهود" هو واسطة العقد بين هذه الكتب التي أمرت بالتقديم لها، واهتمام شيخنا العلامة محمد زكريا بنشره في الحروف العربية ووصوله إلى أيدي علماء الحديث والمشتغلين بتدريسه وتحقيقه، وانتشاره في الأوساط العلمية والمدارس الدينية، وحلوله المحل اللائق به من بين شروح الحديث التي ألفت في العصور الأخيرة أعظم وأكثر، إذ هو ليس مجرد تأليف لشيخه- الذي أحبه واقترنت حياته العلمية بحياته، وليست