للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

===

فإن قيل: كيف شرع هذا اللفظ وهو خطاب بشر مع كونه منهيًا عنه في الصلاة؟

فالجواب أن ذلك من خصائصه - صلى الله عليه وسلم -.

فإن قيل: ما الحكمة في العدول عن الغيبة إلى الخطاب في قوله: عليك أيها النبي مع أن لفظ الغيبة هو الذي يقتضيه السياق؟ أجاب الطيبي بما محصله: نحن نتبع لفظ الرسول بعينه الذي علمه الصحابة، ويحتمل أن يقال على طريق أهل العرفان: إن المصلين لما استفتحوا باب الملكوت بالتحيات أذن لهم بالدخول في حريم الحي الذي لا يموت، فقرت أعينهم بالمناجاة، فنبهوا على أن ذلك بواسطة نبي الرحمة وبركة متابعته، فالتفتوا فإذا الحبيب في حرم الحبيب حاضر فأقبلوا عليه قائلين: "السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته"، انتهى.

وقد ورد في بعض طرق حديث ابن مسعود هذا ما يقتضي المغايرة بين زمانه - صلى الله عليه وسلم - فيقال بلفظ الخطاب، وأما بعده فيقال بلفظ الغيبة، وهو مما يخدش في وجه الاحتمال المذكور، ففي البخاري في كتاب الاستئذان بعد أن ساق حديث التشهد قال: "وهو بين ظهرانينا فلما قبض قلنا: السلام يعني على النبي"، وأخرجه أبو عوانة في "صحيحه" والسراج والجوزقي وأبو معين (١) والبيهقي بلفظ: "فلما قبض قلنا: السلام على النبي" بحذف لفظ يعني.

قلت: وهذا الذي نقل عن بعض الصحابة -رضي الله تعالى عنهم- أنهم قالوا في التشهد بعد وفاة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: على النبي، فليس فيه حجة، فإنهم ما قالوا ذلك إلَّا برأيهم، فما علمهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من الألفاظ أولى بالأخذ مما قالوه باجتهادهم ورأيهم، وقد كانت الصحابة في زمانه - صلى الله عليه وسلم - يغيبون عنه في


(١) كذا في الأصل، والصواب: أبو نعيم. انظر: "فتح الباري" (٢/ ٣١٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>