وهذه تقوية جيدة بإنصاف، وما نقله عن ابن حبان ليس بشيء, لأن تكراره يدل على أن الذي أمره به من الصلاة الفائتة، لأن التكرار لا يحسن في غير الواجب.
ومن جملة ما قال هذا القائل: وقد نقل حديث أبي سعيد الخدري أنه دخل ومروان يخطب فصلى الركعتين، فأراد حرس مروان أن يمنعوه فأبى حتى صلاهما، ثم قال: ما كنت لأدعهما بعد أن سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يأمر بهما، انتهى، ولم يثبت عن أحد من الصحابة ما يخالف ذلك، ونقل أيضًا عن شارح الترمذي أنه قال: كل ما نقل عنه منع الصلاة والإمام يخطب محمول على من كان داخل المسجد, لأنه لم يقع عن أحد منهم التصريح بمنع التحية، انتهى.
قلت: قد ذكرنا أن الطحاوي (١) روى عن عقبة بن عامر: "الصلاة والإمام على المنبر معصية" وكيف يقول هذا القائل: ولم يثبت عن أحد من الصحابة ما يخالف ذلك؟ وأي مخالفة تكون أقوى من هذا حيث جعل الصلاة والإمام على المنبر معصية؟ وكيف يقول شارح الترمذي: لم يقع عن أحد منهم التصريح بمنع التحية؟ وأي تصريح يكون أقوى من قول عقبة حيث أطلق على فعل هذه الصلاة معصية؟ فلو كان قال: يكره أو لا يفعل لكان منعًا صريحًا، فضلًا أنه قال: معصية، وفعل المعصية حرام، وإنما أطلق عليه المعصية لأنها في هذا الوقت تخل بالإنصات المأمور به، فيكون بفعلها تاركًا للأمر، وتارك الأمر يسمى عاصيًا، وفعله يسمى معصية، وفي الحقيقة هذا الإطلاق مبالغة.
فإن قلت: في سند أثر عقبة عبد الله بن لهيعة؟ قلت: ما له، وقد قال أحمد: من كان مثل ابن لهيعة في كثرة حديثه وضبطه وإتقانه؟ وحدث عنه أحمد كثيرًا، وقال ابن وهب: حدثني الصادق البار- والله- عبد الله بن لهيعة، وقال أحمد بن صالح: كان ابن لهيعة صحيح الكتاب طلابًا للعلم.