قال صاحب "البدائع"(١): وأما صلاة الاستسقاء فظاهر الرواية عن أبي حنيفة أنه قال: لا صلاة في الاستسقاء، وإنما هو الدعاء، وأراد بقوله: لا صلاة في الاستسقاء الصلاة بجماعة، أي لا صلاة فيه بجماعة بدليل ما روي عن أبي يوسف أنه قال: سألت أبا حنيفة عن الاستسقاء هل فيه صلاة أو في عاء موقت أو خطبة؟ فقال: أما صلاة بجماعة فلا, ولكن الدعاء والاستغفار، وإن صلوا وحدانًا فلا بأس به.
والدليل له قوله تعالى:{فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا} والمراد منه الاستغفار في الاستسقاء بدليل قوله: {يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا} أمر بالاستغفار في الاستسقاء، فمن زاد عليه الصلاة فلا بُدَّ له من دليل، ولم ينقل عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في الروايات المشهورة أنه صلَّى في الاستسقاء، فإنه روي أنه - صلى الله عليه وسلم - صلَّى الجمعة، فقام رجل فقال: يا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أجدبت الأرض، وهلكت المواشي، فَاسْقِ لنا الغيث، فرفع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يديه إلى السماء ودعا، الحديث، وما روي أنه - صلى الله عليه وسلم - صلَّى.
وعن عمر -رضي الله عنه - أنه خرج إلى الاستسقاء، ولم يصل بجماعة، بل صعد المنبر، واستغفر الله، وما زاد عليه فقالوا: ما استسقيت يا أمير المؤمنين، فقال: لقد استسقيت بمجاديح السماء التي بها يستنزل الغيث، وتلا قوله تعالى:{فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا * يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا} , وروي أنه خرج بالعباس، فأجلسه على المنبر، فوقف بجنبه يدعو ويقول: اللَّهُمَّ إنا نتوسل إليك بعم نبيك، ودعا بدعاء طويل، فما نزل عن المنبر حتى سقوا.
وعن علي أنه استسقى ولم يصلّ، وما روي أنه - صلى الله عليه وسلم - صلَّى بجماعة، حديث شاذٌّ ورد في محل الشهرة, لأن الاستسقاء يكون بملأ من الناس، ومثل هذا الحديث يرجح كذبه على صدقه أو وهمه على ضبطه، فلا يكون مقبولاً مع أن