وهذا هو الجمع الصوري، وابن عمر ممن روى جمعه - صلى الله عليه وسلم - بالمدينة، كما أخرج ذلك عبد الرزاق عنه (١).
وهذه الروايات معينة لما هو المراد من لفظ "جمع" لما هو المقرر في الأصول من أن لفظ "جمع بين الظهر والعصر" لا يعم وقتها، كما في سائر كتب الأصول، بل مدلوله - لغة -: الهيئة الاجتماعية، وهي موجودة في جمع التقديم والتأخير، والجمع الصوري، إلَّا أنه لا يتناول جميعها, ولا اثنين منها، إذ الفعل المثبت لا يكون عامًا في أقسامه كما صرح بذلك أئمة الأصول، فلا يتعين واحد من صور الجمع المذكور إلَّا بدليل، وقد قام الدليل على أن الجمع المذكور في الباب هو الجمع الصوري، فوجب المصير إلى ذلك.
وقد زعم بعض المتأخرين أنه لم يرد الجمع الصوري في لسان الشارع وأهل عصره، وهو مردود بما ثبت عنه - صلى الله عليه وسلم - من قوله للمستحاضة:"وإن قويت على أن تؤخري الظهر، وتعجلي العصر، فتغتسلين وتجمعين بين الصلاتين، ومثله في المغرب العشاء"، وبما سلف عن ابن عباس وابن عمر، وقد روي عن الخطابي أنه قال: لا يصح حمل الجمع- المذكور في الباب - على الجمع الصوري, لأنه يكون أعظم ضيقًا من الإتيان لكل صلاة في وقتها, لأن أوائل الأوقات وأواخرها مما لا يدركه الخاصة فضلًا عن العامة، ويجاب عنه: بأن الشارع قد عرَّف أمته أوائل الأوقات وأواخرها، وبالغ في التعريف والبيان، حتى إنه عينها بعلامات حسية لا تكاد تلتبس على العامة، فضلًا عن الخاصة.
ولا يشك منصف أن فعل الصلاتين دفعة، والخروج إليهما مرة أخف من خلافه وأيسر، وبهذا يندفع ما قاله الحافظ في "الفتح": إن قوله - صلى الله عليه وسلم -: "لئلا تحرج أمتي" يقدح في حمله على الجمع الصوري, لأن القصد إليه لا يخلو عن حرج.
فالأولى التعويل على ما قدمنا من أن ذلك الجمع صوري، بل القول