بذلك متحتم لما سلف، وقد جمعنا في هذه المسألة رسالة مستقلة سميناها:"تشنيف السمع بإبطال أدلة الجمع"، فمن أحب الوقوف عليها فليطلبها، انتهى كلام الشوكاني (١).
والحاصل أن النص القرآني القطعي حاكم بعدم جواز الجمع الحقيقي بين الصلاتين, لأنه إخراج الصلاة عن وقتها المقدم، فلا يعارض هذا الحكم إلَّا بمثله، فخرج بهذا الجمع بين عرفات والمزدلفة، فإن ثبوته بلغ حد التواتر على أنه من مناسك الحج بالإجماع, لأنه أجمعت الأمة على هذا الجمع في الموضعين.
وأما الأحاديث التي فيها ذكر الجمع فمختلفة، وأكثر الروايات في الجمع وردت في السفر، وبعضها يوهم جمع التقديم، وأكثرها في جمع التأخير، فأما جمع التقديم فغير ثابت، فإن أبا داود قال: حديث معاذ من طريق يزيد بن أبي حَبيب هذا حديث منكر، وليس في جمع التقديم حديث قائم، ومع هذا ليس في الحديث ذكر جمع التقديم مصرحًا، بل يحتمل جمع التقديم، ويحتمل غيره، فلا يحمل عليه مع الاحتمال.
وأما جمع التأخير فمحتمل للجمع الحقيقي والجمع الصوري، فإذا حمل على الجمع الحقيقي يعارض الآية القطعية والأحاديث الظنية، وهي ما تقدم من عمر وابن عباس من "أن الجمع من غير عذر من الكبائر" وابن مسعود: "أنه - صلى الله عليه وسلم - ما صلَّى صلاة لغير ميقاتها إلَّا في المزدلفة وعرفات".
وأما إذا حمل على الجمع الصوري فلا يخالفه شيء من الأحاديث، فالحمل عليه أولى لموافقة الكتاب والأحاديث التي فيها ذكر الجمع في الحضر، فهذا الجمع محمول على الجمع الصوري قطعًا، ومن حمله على غيره فقد غفل، فهذه كلها تقتضي أن تكون الأحاديث التي فيها ذكر الجمع كلها غير جمع عرفات والمزدلفة محمولة على الجمع الصوري، لا على الجمع الحقيقي- والله تعالى أعلم-.