الكاندهلوي - أدخله الله جنة الفردوس-، عن شيخنا وشيخه الشيخ رشيد أحمد الكَنكَوهي - جعله الله مع النبيين والصديقين - قال الأستاذ - أدام الله علوه ومجده، وأفاض على العالمين بره ورفده -: قد اختلفت أقوال فقهائنا الحنفية - كثر الله تعالى جمعهم وشكر على ما بذلوا وسعهم - في طهارة المخرج واليد إذا بقيت رائحة النجاسة بعد زوال جِرْمها. فمنهم من حكم بالطهارة إذا زال جرمها وإن بقيت منها رائحة، ومنهم من ذهب (١) إلى أنها لا تطهير إذاً، إلَّا إذا بقي من أثرها ما يتعسر إزالتَه، ولعل مبنى الاختلاف ما اختلف فيه من حقيقة الرائحة، هل هي بانفصال أجزاء صغار من ذي الرائحة التي لا تدرك بصغرها، أو بتكيف الهواء بكيفية الرائحة؟
والحجة للطائفة الأولى: أنا لو سلّمنا انفصال أجزاء صغار من ذي الرائحة واختلاطها بالهواء، إلَّا أن الشرع لما لم يعتد بها كان وجودها في حكم العدم، ألا ترى أن السراويل المبتلّ إذا مرت عليه الريح الخارجة من الدبر لم يتنجس , وكذلك الريح النجسة المنبعثة من المزابل إذا هبت على الثياب المبلولة لم تنجسها اتفاقًا، فلو كانت تلك الأجزاء معتبرة على تقدير تسليم وجودها في الريح لكان التنجس لازمًا.
ويمكن الاستدلال للطائفة الثانية: بأن الريح لو لم تكن ملخوطة بشيء من أجزاء النجاسة لزم أن لا تنتقض الطهارة بخروج الريح.
وللأولين الاعتذار بأن انتقاض الطهارة بالريح الخارجة من الدبر لتصريح النص بذلك لا لتضمنها أجزاء النجاسة، والله تعالى أعلم.
(١) منهم صاحب "الدر المختار" حيث اشترط زوال الرائحة للطهارة، وحكى ابن عابدين عدم الاشتراط أيضًا (١/ ٦١٥) ولم يرجح أحدهما. (ش).