للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

===

يعلمن من علمه ما لا يعلمه غيرهن بالنفي عنه، وأجاب ابن عمر بنفيه عن الصحابة أيضًا.

وما قيل: المثبت أولى من النافي فيترجح حديث أنس على حديث ابن عمر، ليس بشيء، فإن الحق عند المحققين أن النفي إذا كان من جنس ما يعرف بدليله كان كالإثبات، فيعارضه ولا يقدم عليه. وذلك؛ لأن تقديم رواية الإثبات على رواية النفي ليس إلَّا لأن مع راويه زيادة علم بخلاف النفي، إذ قد يبني راويه الأمر على ظاهر الحال من العدم لما لم يعلم باطنه، فإذا كان النفي من جنس ما يعرف تعارضا؛ لابتناء كل منهما حينئذ على الدليل، وإلَّا فنفس كون مفهوم المروي مثبتًا لا يقتضي التقديم، إذ قد يكون المطلوب في الشرع العدم، كما قد يكون المطلوب الإثبات.

وحينئذ لا شك أن هذا النفي كذلك، فإنه لو كان الحال على ما في رواية أنس لم يخف على ابن عمر، ولا على أحد ممن يواظب الفرائض خلف رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، بل ولا على من لم يواظب، بل يحضرها خلفه أحيانًا، ثم الثابت بعد هذا هو نفي المندوبية، أما ثبوت الكراهة فلا، إلَّا أن يدل دليل آخر، وما ذكر من استلزام تأخير المغرب، فقد قدمنا من "القنية" استثناء القليل، والركعتان لا تزيد على القليل إذا تجوَّز فيهما، انتهى.

قلت: والذي عندي في وجه الكراهة أن الناس إذا صلوا الركعتين قبل المغرب، فإنه لا يمكن أن يصلوهما دفعة واحدة متفقين في التحريمة في وقت واحد، بل لا بد أن يكون لهم فيهما تقدم وتأخر، وسرعة وبطء، فإن انتظرهم الإِمام يلزم تأخير المغرب ضرورة، وإن لم ينتظرهم يلزم أن يصلوهما عند الإقامة، وهو مكروه أيضًا، أو تفوتهم التكبيرة الأولى، وإن أحرموا عند الأذان تفوتهم الإجابة، وقد قال - صلى الله عليه وسلم -: "فقولوا مثل ما يقول المؤذن"، فعلى جميع الصور يلزم ترك المأمور به.

<<  <  ج: ص:  >  >>