قال الحافظ في "الفتح"(١): وقد اختلف على سعيد بن جبير أيضًا، ففي التفسير من طريق شعبة عن الحكم عنه:"فصلَّى أربع ركعات، ثم نام، ثم صلَّى خمس ركعات"، وقد حمل محمد بن نصر هذه الأربعة على أنها سنَّة العشاء لكونها وقعت قبل النوم، لكن يعكر عليه ما رواه هو من طريق المنهال بن عمرو عن علي بن عبد الله بن عباس فإن فيه:"فصلَّى العشاء، ثم صلَّى أربع ركعات بعدها حتى لم يبق في المسجد غيره، ثم انصرف" فإنه يقتضي أن يكون صلَّى الأربع في المسجد لا في البيت، ورواية سعيد بن جبير أيضًا تقتضي الاقتصار على خمس ركعات بعد النوم، وفيه نظر، وقد رواها أبو داود من وجه آخر عن الحكم وفيه:"فصلَّى خمسًا أو سبعًا أوتر بهن، لم يسلم إلَّا في آخرهن".
وقد ظهر لي من رواية أخرى عن سعيد بن جبير ما يرفع هذا الإشكال، ويوضح أن رواية الحاكم وقع فيها تقصير، فعند النسائي من طريق يحيى بن عباد عن سعيد بن جبير:"فصلَّى ركعتين ركعتين حتى صلَّى ثمان ركعات، ثم أوتر بخمس لم يجلس بينهن"، فبهذا يجمع بين رواية سعيد ورواية كريب، انتهى.
قلت: أحاديث سعيد بن جبير عندي ليس فيها اختلاف، فالأصل فيه ما رواه يحيى بن عباد، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس عند أبي داود والنسائي:"أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صلَّى ركعتين ركعتين حتى صلَّى ثمان ركعات، ثم أوتر بخمس"، فهذه ثلاث عشرة ركعة.
ويوافقه ما رواه الحكم عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس:"أنه - صلى الله عليه وسلم - صلَّى العشاء ثم جاء فصلَّى أربعًا" - هكذا لفظ أبي داود "أربعًا" من غير زيادة لفظ ركعات-، "ثم نام ثم قام يصلي فصلى خمسًا"، فهذه الرواية موافقة لما رواه