وابن عبد البر وابن العربي وغيرهم، لأن ضرورة اختلاف اللغات ومشقة نطقهم بغير لغتهم أقتضت التوسعة عليهم في أول الأمر، فأذن لكل أن يقرأ على حرفه أي على طريقته في اللغة، حتى انضبط الأمر، وتدربت الألسن، وتمكن الناس من ألاقتصار على لغة واحدة، فعارض جبريل النيي - صلى الله عليه وسلم - القرآن مرتين في السنة الأخيرة، واستقر على ما هو عليه الآن، فنسخ الله تلك القراءات المأذونة فيها بما أوجبه من الاقتصار على هذه القراءة التي تلقاها الناس.
قال أبو شامه: ظن قوم أن المراد القراءة السبعه الموجودة الآن، وهو خلاف إجماع العلماء، وإنما يظن ذلك بعض أهل الجهل.
وقال مكي بن أبي طالب: من ظن أن قراءة هؤلاء كعاصم ونافع هي الأحرف السبعة التي في الحديث فقد غلط غلطًا عظيمًا، ويلزم منه أن ما خرج عن قراءتهم مما ثبت عن الأئمة وغيرهم ووافق خط المصحف أن لا يكون قرآنًا، وهذا غلط عظيم، وقد بين الطيري وغيره أن اختلاف القراء إنما هو حرف واحد، انتهى.
قلت: وأما المشيخ ولي الله الدهلوي - رحمة الله عليه- قال في شرحه على "الموطأ"(١) ما حاصله: إن ما تقرر عندي وترجح في هذا الاختلاف أن ذكر السبع في الحديث لبيان الكثرة لا للتحديد.
والحاصل: أن العرب يؤدون الكلام الواحد مع رعاية ترتيب النظم على وجوه محتلفة، وكل واحد من الوجوه حرف، وهذا التعدد قد يكون بجهة اختلاف مخارج الحروف، وقد يكون بجهة المدة والترخيم والترقيق وغيرها، وقد يكون لاستعمال ألفاظ مترادفة كالفاجر والأثيم، ومثل:{قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ}، و {قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا}، و {قُلْ لِمَنْ كَفَرَ}.
فاختلاف القُرَّاء السبعة الذي كتب في مصاحف عثمان هو من جملة