وأما استثناء المغازي فمحمول على حال حدوث الحاجة، وسماه غنيًا على اعتبار ما كان قبل حدوث الحاجة، وهو أن يكون غنيًا، ثم تحدث له الحاجة بأن كان له دار يسكنها، ومتاع يمتهنه، وثياب يلبسها، وله مع ذلك فضل مأتي درهم حتى لا تحل له الصدقة، ثم يعزم على الخروج في سفر غزو، فيحتاج إلى آلاتِ سفره، وسلاحِ يستعمله في غزوه، ومركب يغزو عليه، وخادم يستعين بخدمته على ما لم يكن محتاجًا إليه في حال إقامته، فيجوز أن يُعطَى من الصدقات ما يستعين به في حاجته التي تحدث له في سفره، وهو في مقامه غني بما يملكه لأنه غير محتاج في حال إقامته، فيحتاج في حال سفره، فيحمل قوله:"لا تحل الصدقة لغني إلَّا لغاز في سبيل الله"، على من كان غنيًا في حال مقامه، فيُعطَى بعض ما يحتاج إليه لسفره لما أحدث السفر له من الحاجة إلَّا أنه يُعطَى حين يُعطَى وهو غني.
وكذا تسمية الغارم غنيًا في الحديث على اعتبار ما كان قبل حلول الغرم به، وقد حدثت له الحاجة بسبب الغرم، وهذا لأن الغني اسم لمن يستغني عما يملكه، وإنما كان كذلك قبل حدوث الحاجة، وأما بعده فلا.
وأما قوله تعالى:{وَابْنِ السَّبِيلِ} فهو الغريب المنقطع عن ماله وإن كان غنيًا في وطنه, لأنّه فقير في الحال، وقد رُوِينا عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال:"لا تحل الصدقة لغني إلا في سبيل الله أو ابن السبيل" الحديث، قاله في"البدائع"(١).
(أو لعامل عليها) وهم الذين نصبهم الإِمام لجباية الصدقات، واختلف فيما يعطون، قال أصحابنا: يعطيهم الإِمام كفايتهم منها، وقال الشافعي: يعطيهم الثمن.
وجه قوله أن الله تعالى قسم الصدقات على الأصناف الثمانية، منهم العاملون، فكان لهم منها الثمن.