ولا نظر إلَّا في آلته، ولا كان له اهتمام إلَّا برجاله، ولا ميل إلَّا إلى من يذكره ويحث عليه، وكان الرجل إذا أراد أن يتقرب إليه يحثه على الجهاد" (١).
ومن يقرأ كتب التراجم والطبقات، يرى أمثلة هذا الشغف والاستغراق عند كثير من العلماء والمؤلفين والعظماء والمصلحين في مشاربهم وأذواقهم.
وإذا استولى هذا الحب على إنسان، وجرى منه مجرى الروح والدم أتى بالعجائب، وكان مصدر إلهام وتوجيه، وقد وقع للشيخ بعض حوادث غريبة، فمنها أنه رأى مرة فيما يرى النائم كأن مُنَبِّهًا يُنَبِّهَهُ على خطأ في هذا الشرح، وقد فرغ منه، فلما استيقظ دعا تلميذه الشيخ محمد زكريا، وأخبره بهذه الرؤيا , ولما راجع هذا المقام وجد أن فيه خطأ فأصلحه.
وكان العمل قائمًا على قدمٍ وساقٍ، وكان الشيخ منصرفًا إليه بقلبه وقالبه، وتلميذه مقبلًا عليه بجميع قواه ومواهبه، إذ عرضت للشيخ رحلة إلى الربوع المقدسة مهبط الوحي ومدرسة الحديث الأولى، وأبدى التلميذ - بما رأى من حرص الشيخ على إتمام هذا الكتاب مع ضعفه وعلوّ سنّه - رغبته في المرافقة، فقبلها الشيخ مسرورًا، وأَمَلَ في تمام هذا العمل، وتوجَّها على بركة الله إلى الحرمين الشريفين، وذلك في شهر شوال سنة ١٣٤٤ هـ. ولم يزالا مكبين على إتمام هذا الشرح، منقطعين إليه، لا يتخللهما إلَّا العبادة والفرائض الدينية والأمور الطبيعية.
وكان الشيخ له دعوات ثلاث، وأماني عزيزة، لا تعدل بها أمنية، أُولاهما: أن تقوم في الحجاز حكومة إسلامية مستقرة، ويسود في ظلها الأمن والسلام وتستقر الأمور، والثانية: إكمال "بذل المجهود"، والثالثة: