للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وكان منهج التأليف أن الشيخ كان يرشد إلى مظان الموضوع في الكتب التي جمعت، وتوجد في مكتبة المدرسة، وكان التلميذ يجمع المواد العلمية وما كتبه المتقدمون من الشراح والمؤلفين، ويقرأها على الشيخ، فيختار منها ما يستحسنه، ويملي الشرح.

واستمر العمل، والشيخ لا هَمَّ له ولا لذة إلَّا في هذا العمل الذي يعدُّه من أعظم القربات، ومن أفضل العبادات، والتلميذ لا شغل له - إلَّا ساعات تمضي في دروس معدودة- إلَّا مطالعة الكتب وجمع المواد وعرضها على الشيخ.

ومضت على ذلك تسعة أشهر، وتمَّ شرح الجزء الأول في سلخ ذي القعدة ١٣٣٥ هـ، وكان الشيخ قد ملكته فكرة هذا التأليف وتغلغلت في أحشائه، وخالطت لحمه ودمه، وسيطرت على مشاعره وتفكيره وذوقه، حتى كان آخر ما يفكر فيه قبل النوم وأول ما يهتم به عند اليقظة، وحق له أن ينشد بلسان الشاعر الحماسي (١):

أآخر شيء أنت في كل هَجْعَة؟ ... وأول شيء أنت عند هبوبي

ولا يفهم ذلك إلَّا من أكرمه الله بالغرام بمبدأ سام ومقصد رفيع، فكان ذلك عنده مقياس الرضا ووسيلة القرب، فبمقدار عناء الرجل في هذا العمل وإعانته عليه ومساهمته فيه كان حظيًا عنده، وجيهًا في عينه، وقد عرف الناس ذلك وانتفعوا به، وتقربوا إليه.

ذكرني هذا بما ذكره القاضي ابن شدّاد (٢) عن السلطان صلاح الدين الأيوبي (٣)، يقول: "ولقد كان حبه للجهاد والشغف به قد استولى على قلبه وسائر جوانحه استيلاء عظيمًا، بحيث ما كان له حديث إلَّا فيه،


(١) انظر: "ديوان الحماسة" (ص ١١٤).
(٢) انظر ترجمته في: "سير أعلام النبلاء" (٢٢/ ٣٨٣)، و"وفيات الأعيان" (٧/ ٨٤).
(٣) انظر ترجمته في: "وفيات الأعيان" (٧/ ١٣٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>