للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

الكَنكَوهي (١)، وكان شديد التجاوب معه، عجيب التوارد في المباحث العلمية، والمسائل الغامضة الدقيقة خصوصًا في تطبيق الحديث والفقه، وبيان الحجج والدلائل للمذهب الحنفي، وقد توفي - رحمه الله- في سنة ١٣٣٤ هـ، ففقد لوفاته العضد الأيمن والمساعد الأكبر، وحزن عليه حزنًا شديدًا لخسارة العلم ورزيئة صناعة التعليم فيه، وكان دائمًا يشعر بمكانه الشاغر، وقال له وهو يمشي معه مرة: إذا ساعدتني أنت وزميلك حسن أحمد (٢) في تأليف هذا الشرح فلعل ذلك يحقق أمنيتي.

ولما وصل الشيخ الكبير إلى هذه النقطة من حديثه اهتزَّ له تلميذه النجيب، وصادف ذلك رغبة ملحة دفينة في نفسه في الحرص على خدمة الحديث الشريف والمثابرة عليه، والتفاني فيه، وإفناء العمر والقوى في سبيله، ولم يكن يجد لذلك سبيلًا، ولا يصدق أنه ممكن؛ لأنه الآن في الشوط الأول من التدريس، فمتى يصل إلى الاشتغال بكتب الحديث، وكيف تتأتى له هذه الفرصة؟ فكان قد دعا الله مخلصًاومبتهلًا حين قرأ فاتحة الفراغ على والده وأستاذه، أن لا ينقطع عن الاشتغال بالحديث، ويظل حياته عاكفًا عليه بالتدريس والتأليف، فكأنما تكلم الشيخ على لسانه، وعَبَّر عن جَنانه، وتحقق حلمه اللذيذ الذي كان يراه بعيد المنال وضربًا من المحال فلم يتمالك نفسه، وانفجر قائلًا: {هَذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَايَ مِنْ قَبْلُ قَدْ جَعَلَهَا رَبِّي حَقًّا} (٣).

ولعلَّ الله أجاب دعائي وقص عليه القصة بطولها، وفرح الشيخ ودعا له بالتوفيق، وأملى أسماء كتب يُستعان بها في هذا الموضوع، وابتدأ العمل من غدٍ، وكان ذلك لليلة خلت من ربيع الأول سنة خمس وثلاثين وثلاث مائة وألف.


(١) انظر ترجمته في: "نزهة الخواطر" (٨/ ١٤٨)، و"أوجز المسالك" (١/ ١٤٢).
(٢) كان من تلاميذ الشيخ الأذكياء المرجويين، ومات شابًا - رحمه الله-.
(٣) سورة يوسف: الآية ١٠٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>