ومخالف لجميع أئمة الأمة، فإن المتمتع إذا طاف للإفاضة يجب عليه السعي ثانيًا، وقد سعى في عمرته بعد طوافها سعيًا أولًا، وهذا أمر متفق عليه إلَّا من شذَّ ممن لا يعتد بخلافه، فلا محيص منه إلَّا بحمله على وهم بعض الرواة، أو يُؤَوَّل بتأويل فيه تعسُّف.
فالتأويل الأول أن يقال: إن هذا القول ليس بمرتبط بمن تمتَّع منهم، فحلوا بعد أفعال العمرة، بل هو متعلق بالقارنين منهم الذين يدل عليهم قوله:"إلَّا من كان معه الهدي"؛ فإنهم أتوا بأفعال العمرة أولًا، ثم طافوا للقدوم، وسعوا فيه، ثم لما فرغوا من الحج طافوا بالبيت طواف الزيارة فإنهم لم يطوفوا بين الصفا والمروة؛ لأنهم أدُّوها في طواف القدوم.
والتأويل الثاني أن يقال: معنى قوله: "ولم يطوفوا"، أي: لم يذكر الراوي طوافهم بين الصفا والمروة، كما ورد في الحديث المتفق عليه (١) عن عائشة - رضي الله عنها - قالت:"فطاف الذين كانوا أهلُّوا بالعمرة بالبيت وبين الصفا والمروة، ثم حلوا، ثم طافوا طوافًا آخر بعد أن رجعوا من مني لحجهم"، فكما لم يذكر في هذا الحديث الطواف بين الصفا والمروة، فكذلك يقال في هذا الحديث: إن الراوي لم يذكر طوافهم بين الصفا والمروة، بل اقتصر على الطواف بالبيت.
والتأويل الثالث أن يقال: إن هذا القول متعلق ببعض المتمتِّعين منهم، ويقال: يحتمل أنهم طافوا متنفِّلين بعد إحرام الحج، وسعوا بعده، فحينئذٍ لا يجب عليهم أن يطوفوا بين الصفا والمروة بعد طواف الزيارة.
والتأويل الرابع أن يقال: إن هذا القول مرتبط بجميع ما تقدم من الفرق: المتمتعين منهم والقارنين؛ بأنهم لما قدموا يوم النحر، وطافوا للإفاضة سعوا بين الصفا والمروة، ثم لما طافوا طواف الصدر لم يطوفوا بين الصفا والمروة، وهذه كلها تأويلات متعسفة غير متبادرة إلى الذهن.