عن شبرمة، فقال له ذلك، فهو حقيقة التعارض في شيء وقع في الوجود أنه وقع في ذلك الزمن أو في زمن آخر بحضرة النبي - صلى الله عليه وسلم - أو غيره، وتجويز أن يكون وقع في زمنه عليه السلام، ثم وقع بحضرة ابن عباس سماعه رجلًا آخر يلبي عن شبرمة، فهو وإن لم يمتنع عقلًا لكنه بعيد جدًا في العادة، فلا يندفع به حكم التعارض الثابت ظاهرًا طالبًا لحكمه فيتهاتران.
أو يرجح وقوعه في زمن ابن عباس ... ، ولأن ابن المفلس ذكر في كتابه أن بعض العلماء ضعف هذا الحديث بأن سعيد بن أبي عروبة كان يحدث به بالبصرة فيجعل هذا الكلام من قول ابن عباس، ثم كان بالكوفة يسنده إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -، وهذا يفيد اشتباه الحال على سعيد، وقد عنعنه قتادة، ونسب إليه تدليسه، فلا تقبل عنعنته.
ولو سُلِّمَ فحاصله: أمر بأن يبدأ بالحج عن نفسه، وهو يحتمل الندب فيحمل عليه بدليل، وهو إطلاقه عليه السلام قوله للخثعمية:"حجي عن أبيك"، من غير استخبارها عن حجها لنفسها قبل ذلك، وترك الاستفصال في وقائع الأحوال ينزل منزلة عموم الخطاب فيفيد جوازه عن الغير مطلقًا.
وحديث شبرمة يفيد استحباب تقديم حجة نفسه، وبذلك يحصل الجمع، ويثبت أولوية تقديم الفرض على النفل مع جوازه.
والذي يقتضيه النظر أن حج الصرورة عن غيره إن كان بعد تحقيق الوجوب عليه بملك الزاد والراحلة والصحة؛ فهو مكروه كراهة تحريم؛ لأنه يتضيق عليه، والحالة هذه في أول سني الإمكان، فيأثم بتركه، وكذا لو تنفل لنفسه ومع ذلك يصح؛ لأن النهي ليس لعين الحج المفعول بل لغيره، وهو خشية أن لا يدرك الفرض إذ الموت في سنة غير نادر، فعلى هذا يحمل قوله عليه الصلاة والسلام:"حج عن نفسك، ثم عن شبرمة"، على الوجوب، ومع ذلك (١) ينفي
(١) كذا في الأصل، وفي "فتح القدير": "ومع ذلك لا ينفي الصحة".