للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

===

قال الحافظ (١): واستدل بهذا الحديث على تحريم الأكل من لحم الصيد على المحرم مطلقًا؛ لأنه اقتصر في التعليل على كونه محرمًا، فدل على أنه سبب الامتناع خاصة، وهو قول علي وابن عباس وابن عمر - رضي الله عنهم -، والليث والثوري وإسحاق لحديث الصعب هذا, ولمِا أخرجه أبو داود وغيره من حديث علي أنه قال لناس من أشجع: "أتعلمون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أهدى له رجل حمار وحش وهو محرم، فأبى أن يأكله؟ قالوا: نعم".

لكن يعارض هذا الظاهرَ ما أخرجه مسلم أيضًا من حديث طلحة: "أنه أهدي له لحم طير وهو محرم فوقف من أكله، وقال: أكلناه مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم- ", وحديث أبي قتادة المذكور في الباب قبله، وحديثُ عمير بن سلمة "أن البهزي أهدى للنبي - صلى الله عليه وسلم - ظبيًا وهو محرم، فأمر أبا بكر أن يقسمه بين الرفاق"، أخرجه مالك وأصحاب السنن، وصححه ابن خزيمة وغيره.

وبالجواز مطلقًا قال الكوفيون وطائفة من السلف، وجمع الجمهور بين ما اختُلِف من ذلك بأن أحاديث القبول محمولة على ما يصيده الحلال لنفسه ثم يهدي منه للمحرم، وأحاديث الرد محمولة على ما صاده الحلال لأجل المحرم.

وجاء عن مالك تفصيل آخر بين ما صيد للمحرم قبل إحرامه يجوز له الأكل منه أو بعد إحرامه فلا، وعن عثمان التفصيل بين ما يصاد لأجله من المحرمين فيمتنع عليه، ولا يمتنع على محرم آخر، انتهى ملخصًا.

قلت: وأما عندنا فرده - صلى الله عليه وسلم - حمارَ وحشٍ لأنه كان حيًّا، كما أشار إليه البخاري بعقد الباب "إذا أهدى للمحرم حمارًا وحشيًّا حيًّا لم يقبل"، ويحتمل أنه - صلى الله عليه وسلم - علم أنه أعان في قتله محرم آخر من الإشارة والدلالة، وروى يحيى بن


(١) "فتح الباري" (٤/ ٣٣، ٣٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>