فإنهم كلهم قالوا: إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - دخل مكة طاف بالبيت وبين الصفا والمروة.
والذين كانوا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كانوا على نوعين: نوع كان معهم الهدي، ونوع ليس معهم هدي، فأما الذين معهم هدي فهم طافوا وسعوا ولم يحلوا، وأما الذين لم يكن معهم هدي فهم أيضًا طافوا وسعوا, ولكنهم حلوا، فكيف يقال: إن أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لم يطوفوا حتى رموا الجمرة، فيجب تأويله.
فتأويله أن يقال: إن أصحابه الذين لم يكن معهم هدي لم يطوفوا للحج، حتى رموا الجمرة.
أو يقال: إن أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الذين كان معهم الهدي لم يطوفوا للإحلال حتى رموا الجمرة، وبعد رميها طافوا للإفاضة وحلوا.
أو يقال: إن أصحابه - صلى الله عليه وسلم - كلهم ممن لم يكن معهم هدي، أو كان لم يطوفوا للإفاضة حتى رموا الجمرة، فعلى كل تقدير يجب أن يقيد قوله:"لم يطوفوا".
أما الحديث الأول فمناسبته بترجمة الباب على مذهب الشوافع ظاهر، حاصله: أن السعي بين الصفا والمروة من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه الذين كان معهم الهدي لم يكن إلا واحدًا في طوافه الأول، وهو طواف القدوم؛ فإن أفعال العمرة عندهم قد دخلت في أفعال الحج، فليس للعمرة عندهم طواف البيت ولا السعي بين الصفا والمروة إلَّا ما كان في الحج.
وأما على مذهب الأحناف، فمناسبته بالباب أيضًا ظاهرة، يقال: لم يطف النبي - صلى الله عليه وسلم - ولا أصحابه بين الصفا والمروة، أي في الحج، إلَّا طوافًا واحدًا، طوافه الأول، أي للحج، وهو عندهم أيضًا طواف القدوم، وأما طواف العمرة فقد تقدم عليه.