مع عبد الرحمن أخيها فأعمرها من التنعيم، وقال: هذه مكان عمرتك التي رفضتها، وهكذا الكلام بين الفريقين في قصة عائشة - رضي الله عنها -، والله تعالى أعلم.
والحاصل أن قوله - صلى الله عليه وسلم -: "طوافك بالبيت" الحديث، إن كان صدر منه بعد ما غفل عن طوافها وسعيها كما يدل عليه قوله (١) - صلى الله عليه وسلم - لها:"أو ما كنت طفت ليالي قدمنا"، بل ظن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنها طافت وسعت للعمرة كما طاف الناس وسعوا، فحينئذ معنى هذا القول أنه قال: طوافك بالبيت وبين الصفا والمروة للعمرة حين طفت لها، ثم طوافك بالبيت وبين الصفا والمروة للحج حين طفت له يسعك لحجك ولعمرتك، وهذا ظاهر لا خفاء فيه.
وإن كان هذا القول بعد ما أخبرته عائشهّ - رضي الله عنها - بأنها لم تطف بالبيت ولم تسع بين الصفا والمروة لعذر الحيض، فحينئذ معنى هذا القول أن طوافك بالبيت وبين الصفا والمروة للحج بعد ما أحرمت بالعمرة، ومنعت من طوافها وسعيها يكفيك باعتبار الأجر والثواب، وهذا أيضًا ظاهر؛ فإن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لما قدم مكة زمن الحديبية وأحرم بالعمرة ولم يتمكن من أداء أفعالها ومع ذلك جعلت عمرة وحصل لهم أجرها، فكذلك عائشة - رضي الله عنها - لما أحرمت بالعمرة ولم تتمكن منها حتى أحرمت بالحج، ورفضتها، جعلت عمرتها باعتبار الأجر والثواب قائمة.
ويمكن أن يجاب عنه بأن الاستدلال بهذا القول موقوف على كون عائشة - رضي الله عنها - قارنة، ولم يثبت هذا الاحتمال أنها كانت مفردة كما يدل عليه الدلائل، فإذا لم تثبت كونها قارنة لا يستدل بهذا على أن يكفي الطواف الواحد للقارن.
(١) كما في رواية البخاري (١٥٦١)، ومسلم (١٢٨/ ١٢١١).