حتى فتحها الله عليه، وذراعها في يده، فأعتقها وخطبها وتزوجها وأمهرها رزينة.
قلت: رزينة مصغرًا خادمةُ رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وقال ابن المرابط: قول أنس: أصدقها نفسها، أنه من رأيه وظنه، وإنما قال ذلك مدافعة للسائل.
ألا ترى أنه قال: فقال المسلمون: إحدى أمهات المؤمنين أو ما ملكت يمينه؟ فكيف علم أنس أنه أصدقها نفسها قبل ذلك؟ وقد صح عنه أنه لم يعلم أنها زوجته إلَّا بالحجاب، فدل أن قوله هذا لم يشهده على نبينا - صلى الله عليه وسلم - ولا غيره، وإنما ظنه أنس والناس معه ظنًا، مع أن كتاب الله أحق أن يُتَّبَع، قال تعالى:{وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ}(١) الآية، فهذا يدل على أنه أعتقها وخيَّرها في نفسها فاختارته - صلى الله عليه وسلم -، فنكحها بلا صداق، انتهى.
وأما وجه النظر فيه فمحال أن يجعل العتاق صَداقًا، وتقرير الاستحالة بوجهين:
أحدهما: إن عقدها على نفسها إما أن يقع قبل عتقها، وهو محال لتناقض الحكمين الحرية والرق، فإنَّ الحرية حكمها الاستقلال والرق ضده، وإمَّا بعد العتق فلزوال حكم الجبر عنها بالعتق، فيجوز أن لا ترضى، وحينئذ لا تنكح إلا برضاها.
والوجه الثاني: أنا إذا جعلنا العتق صداقًا، فإمَّا أن يتقرر العتقُ حالة الرق، وهو محال لتناقضهما، أو حالة الحرية فيلزم سبقيته على العقد، فيلزم وجود العتق حالة فرض عدمه وهو محال, لأن الصداق لا بد أن يتقدم تقرره على الزوج، إما نصًا وإما حكمًا حتى تملك الزوجة طلبه، فإن اعتلوا بنكاح التفويض فقد تحرزنا عنه بقولنا حكمًا، فإنها وإن لم يتعين لها حالة العقد شيء، لكنها تملك المطالبة، فثبت أنه يثبت لها حالة العقد شيء تطالب به الزوج، ولا يتأتى مثل ذلك في العتق، فاستحال أن يكون صداقًا، فافهم، قاله القرطبي.