لما قال عيسى بن أبان له: أيها الفقيه! إذا ملك الحر على امرأته الأمة ثلاثًا كيف يطلقها للسنَّة؟ قال: يوقع عليها واحدة، فإذا حاضت وطهرت، أوقع أخرى، فلما أراد أن يقول: فإذا حاضت وطهرت، قال له: حسبك قد انقضت عدتها، فلما تحير رجع، فقال: ليس في الجمع بدعة، ولا في التفريق سنَّة.
قلت: الأحاديث الموقوفة التي استدل بها كلها في حكم المرفوعات، فإنه لا دخل فيها للرأي والاجتهاد، فيستدل بها كما يستدل بالمرفوعات الصريحة، والله تعالى أعلم.
فقال ابن الهمام في "فتح القدير": ولنا قوله - صلى الله عليه وسلم -: "طلاق الأمة ثنتان وعدتها حيضتان"، رواه أبو داود والترمذي وابن ماجه والدارقطني عن عائشة ترفعه، وهو الراجح الثابت، بخلاف ما رواه الشافعي.
فإن قلت: قد ضعف ما رويتم بأنه من رواية مظاهر، ولم يعرف له سوى هذا الحديث. قلنا أولًا: تضعيف بعضهم ليس كعدمه بالكلية. وثانيًا: بأن ذلك التضعيف ضعيف، فإن ابن عدي أخرج له حديثًا آخر عن المقبري, عن أبي هريرة، عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: "أنه كان يقرأ عشر آيات في كل ليلة من آخر آل عمران"، وكذا رواه الطبراني، ثم منهم من ضَعَّفَه عن أبي عاصم النبيل فقط. ومنهم من نقل عن ابن معين وأبي حاتم والبخاري تضعيفه, لكن قد وثَّقه ابن حبان.
وأخرج الحاكم حديثه هذا عنه، عن القاسم، عن ابن عباس، قال: ومظاهر شيخ من أهل البصرة، ولم يذكره أحد من متقدمي مشايخنا بجرح، فإذن إن لم يكن الحديث صحيحًا كان حسنًا، ومما يصحح الحديث أيضًا عمل العلماء على وفقه.