للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

===

وإن سُلِّم أنه كان في عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فلعله كان في رجل يطلق امرأته بقوله: "أنت طالق، أنت طالق، أنت طالق"، بتفريق ألفاظ، وكان الناس في عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وعهد أبي بكر - رضي الله عنه - على صدقهم وسلامتهم، لم يكن فيهم الخب والخداع، فكان يصدقون أنهم أرادوا به التأكيد، ولا يريدون به الثلاث.

فلما رأى عمر - رضي الله عنه - في زمانه أمورًا ظهرت، وأحوالًا تغيرت، منع من حمل اللفظ على التأكيد، وألزمهم الثلاث، ويؤيده قول عمر - رضي الله عنه - في هذا الحديث عند مسلم (١): "أن الناس قد استعجلوا في أمر قد كانت لهم فيه أناة (٢)، فلو أمضيناه عليهم".

وقد ذكر العلماء في هذا الحديث احتمالات أخر، فمع تلك الاحتمالات لا يستدل بها، وأيضًا وقع في حديث مسلم: أن أبا الصهباء قال لابن عباس: "هات من هناتك".

وفسَّر النووي (٣) هذا اللفظ أي من الأمور المستغربة، ولما كان هذا الأمر غريبًا غير شائع في الإِسلام فلا يكون محتجًا به، والله تعالى أعلم.

وأيضًا وقع في الحديث أن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - "أمضاهن"، وهذا بمحضر من الصحابة - رضي الله عنهم- في زمن توفرهم، ولم ينكر عليه أحدٌ، فأولًا لا يظن بعمر بن الخطاب - رضي الله عنه - أن يخالف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الأمر الصريح الشائع، ثم لا يظن بالصحابة - رضي الله عنهم- أن لا ينكروا عليه فيما يخالف فيه رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فصار الإجماع على ذلك، ولا يمكن إجماعهم على باطل، فالحق الصريح أنه إذا طلق الرجل امرأته ثلاثًا مجموعًا أو مفرقًا يكون ثلاثًا لا واحدًا، وهو الذي أدين الله به.


(١) "صحيح مسلم" رقم الحديث (١٤٧٢).
(٢) وقع في الأصل: "هنات" وهو تحريف.
(٣) "شرح صحيح مسلم" (٥/ ٣٣٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>