الرابع: أنه يفرق بين المدخول بها وغيرها، فتقع الثلاث بالمدخول بها، وتقع بغيرها واحدة، وهذا قول جماعة من أصحاب ابن عباس، وهو مذهب إسحاق بن راهويه فيما حكاه عنه محمد بن نصر المروزي في كتاب "اختلاف العلماء"، انتهى.
قلت: وحديث طاوس الذي فيه قصة سؤال أبي الصهباء ابن عباس، ليس فيه حجة لاعتبار السند، ولا باعتبار المتن. أما باعتبار السند فإن طاوسًا يقول: إن أبا الصهباء قال لابن عباس، فلا يعلم منه أنه يروي عن أبي الصهباء، عن ابن عباس، أو كان حاضرًا في المجلس الذي سأل أبو الصهباء ابنَ عباس، فيروي عن ابن عباس.
فإن كان الأول فأبو الصهباء قال النسائي: أبو الصهباء صهيب بصري ضعيف، وقال أبو زرعة: ثقة، فاختلف في توثيقه.
وإن كان الثاني فهو حجة، فلما دار الأمر بين أن يكون محتجًا به وغير محتج به، رجح كونه غير محتج به على قاعدة المحدثين، فإن الجرح مقدم على التوثيق، على أن هذا الحديث يخالف فتوى ابن عباس وسائر الروايات عنه، كما تقدم قريبًا من أبي داود أنه أجاز الثلاث وأمضاهن.
وأما باعتبار المتن: ففيه احتمالات كثيرة، فأولًا أن قوله:"إن الثلاث كانت تحسب على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -"، ليس فيه تصريح بأنه بأمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، أو بتقريره.
فيحتمل أن يكون هذا من غير أمره - صلى الله عليه وسلم - وتقريره وعلمه، بأنه كان في الجاهلية وابتداء الإِسلام أن الرجل إذا طلق امرأته ثلاثًا يملك رجعتها فنسخ ذلك، فيحتمل أن يكون بعض من لم يبلغه النسخ كانوا على ذلك كما في متعة النكاح، أنه أبيح ثم نسخ، ثم بعد النسخ كان من لم يبلغه النسخ يفعلها، فكذا هذا.