ويؤيد قول الجمهور من حيث المعنى أن التخيير ترديد بين شيئين، فلو كان اختيارها لزوجها طلاقًا لاتَّحدا؛ فدل على أن اختيارها لنفسها بمعنى الفراق، واختيارها لزوجها بمعنى البقاء في العصمة.
وقد أخرج ابن أبي شيبة (١) من طريق زاذان قال: "كنا جلوسًا عند علي - رضي الله عنه - فسئل عن الخيار، فقال: سألني منه عمر - رضي الله عنه - فقلت: إن اختارت نفسها. [فواحدة رجعية، قال: ليس كما قلت، إن اختارت نفسها] فواحدة بائنة، وإن اختارت زوجها، فواحدة رجعية، قال: ليس كما قلت، إن اختارت زوجها فلا شيء، قال: فلم أجد بدًا من متابعته، فلما وليت رجعت إلى ما كنت أعرف، قال علي: وأرسل عمر إلى زيد بن ثابت، قال" فذكر مثل ما حكاه عنه الترمذي.
وأخذ مالك بقول زيد بن ثابت، واحتجَّ بعض أتباعه لكونها إذا اختارت نفسها يقع ثلاثًا بأن معنى الخيار بَتُّ أحد الأمرين، إما الأخذ أو الترك، فلو قلنا: إذا اختارت نفسها يكون طلقة رجعية، لم يعمل بمقتضى اللفظ؛ لأنها تكون بعد في أسر الزوج، وتكون كمن خير بين شيئين فاختار غيرهما.
وأخذ أبو حنيفة بقول عمر وابن مسعود فيما إذا اختارت نفسها، فواحدة بائنة. وقال الشافعي - رضي الله عنه -: التخيير كناية، فإذا خير الزوج امرأته، وأراد بذلك تخييرها بين أن تطلق منه، وبين أن تستمر في عصمته، فاختارت نفسها، وأرادت بذلك الطلاق طلقت، فلو قالت: لم أرد باختيار نفسي الطلاق، صدقت، انتهى.
قلت: ظاهر الآية لم يكن في التخيير بين الطلاق إذا اخترن أنفسهن أن يقع الطلاق وبين البقاء في عصمة النكاح، بل الآية نزلت في التخيير بين أن يظهرن، بأنهن إن يردن الحياة الدنيا وزينتها فيطلقهن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ويُمَتِّعُهن،