للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

===

وحكى النووي عن بعضهم أنه كان تأخذه الحمَّى في ذلك الوقت، وهو بعيد؛ لأنه لو كان كذلك لم يكن كذبًا لا تصريحًا، ولا تعريضًا.

قلت: لا بُعد فيه، فإن غرض القائل بهذا الجواب أن إبراهيم عليه السلام تأخذه الحمى النوبتي في هذه الأيام، وذلك اليوم الذي وقعت فيه تلك القصة يوم الراحة، فباعتبار حمى النوبتي يطلق عليه أنه سقيم، وباعتبار أنه يوم الراحة لم يكن فيه حُمَّى لم يكن سقيمًا، فباعتبار ظاهر الوقت لو يَعُدُّه السامع كذبًا لأنه غير سقيم لا يبعد.

وقوله: {بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ}، قال القرطبي: هذا قاله تمهيدًا للاستدلال على أن الأصنام ليست بآلهة، وقطعًا لقومه في قولهم: إنها تضر وتنفع، وهذا الاستدلال يتجوَّز فيه في الشرط المتصل، ولهذا أردف قوله: {بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ} بقوله: {فَاسْأَلُوهُمْ إِنْ كَانُوا يَنْطِقُونَ}.

قال ابن قتيبة: معناه إن كانوا ينطقون فقد فعله كبيرهم هذا، فالحاصل أنه مشترط بقوله: {إنْ كَانُوا يَنْطِقُونَ}، أو أنه أسند إلى ذلك لكونه السبب.

وعن الكسائي: أنه كان يقف عند قوله: "بل فعله"، أي فَعَلَه مَنْ فَعَله كائنًا من كان، ثم يبتدئ كبيرهم هذا، وهذا خبر مستقل، ثم يقول: {فَاسْأَلُوهُمْ} إلى آخره، ولا يخفى تكلفه.

وقوله: "هذه أختي" يعتذر عنه بأن مراده بأنها أخته في الإِسلام، كما سيأتي واضحًا، قال ابن عقيل: دلالة العقل تصرف ظاهر إطلاق الكذب على إبراهيم، وذلك أن العقل قطع بأن الرسول ينبغي أن يكون موثوقًا به، ليعلم صدق ما جاء به عن الله، ولا ثقة مع تجويز الكذب عليه، فكيف مع وجود الكذب عنه.

وإنما أطلق عليه ذلك لكونه بصورة الكذب عند السامع، وعلى تقديره فلم يصدر ذلك من إبراهيم عليه السلام، يعني إطلاق الكذب على ذلك إلَّا في شدة الخوف لعلو مقامه، وإلَّا فالكذب المحض في مثل تلك المقامات يجوز،

<<  <  ج: ص:  >  >>