للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

===

إن السبب (١) في الحديث، أن أهل الحجاز كانوا يستنجون بالأحجار وبلادهم حارة، فإذا نام أحدهم عرق، فلا يأمن النائم أن تطوف يده على ذلك الموضع النجس أو على قذر غير ذلك، فإذا كان هذا سببًا للحديث عرفت أن الاستدلال به على وجوب غسل اليدين قبل الوضوء ليس على ما ينبغي.

وقال في "البدائع" (٢): ولنا أن الغسل لو وجب لا يخلو إما أن يجب من الحدث أو من النجس, لا سبيل إلى الأول؛ لأنه لا يجب الغسل من الحدث إلَّا مرة واحدة، فلو أوجبنا عليه غسل العضو عند استيقاظه من منامه مرة، ومرة عند الوضوء، لأوجبنا عليه الغسل عند الحدث مرتين ولا سبيل إلى الثاني؛ لأن النجس غير معلوم بل هو موهوم، وإليه أشار في الحديث، حيث قال: "فإنه لا يدري أين باتت يده"، وهذا إشارة إلى توهم النجاسة واحتمالها، فيناسبه الندب إلى الغسل واستحبابه لا الإيجاب، لأن الأصل هو الطهارة، فلا تثبت النجاسة بالشك والاحتمال، فكان الحديث محمولًا على نهي التنزيه لا التحريم.

فحملهم هذا الحديث على الاستحباب، مثل ما روى أبو هريرة - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "إذا استيقظ أحدكم من منامه فليستنثر ثلاث مرات، فإن الشيطان يبيت على خياشيمه" (٣)، فإنه قد وقع الاتفاق على عدم وجوب الاستنثار عند الاستيقاظ، ولم يذهب إلى وجوبه أحد،


(١) وأبطله في حاشية "الإحكام" (١/ ٢٠) لابن دقيق العيد، ومال إلى أن أمر الغسل تعبدي. (ش).
(٢) "بدائع الصنائع" (١/ ١٠٨).
(٣) أخرجه مسلم في "صحيحه" (ح ٢٣٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>