ومذهب الحنفية في ذلك: أن الأصل أن ركن الصوم هو الإمساك عن الأكل والشرب والجماع، فإذا فات ركنه بأحد من هذه الثلاثة يفسد الصوم كيف ما كان, لأن انتقاض الشيء عند ذوات ركنه أمر ضروري، سواء كان بعذر أو بغير عذر، عمدًا أو خطأ، طوعًا أو كرهًا، بعد أن كان ذاكرًا لصومه، لا ناسيًا ولا في معنى الناسي، والقياس أن يفسد وإن كان ناسيًا، وهو قول مالك، لوجود ضد الركن، لكنا تركنا القياس بالنص، وهو ما روي عن أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال:"من نسي وهو صائم"(١) الحديث، وعلل بانقطاع نسبة فعله عنه لإضافته إلى الله تعالى لوقوعه من غير قصده.
وروي عن أبي حنيفة أنه قال: لا قضاء على الناسي للأثر المروي عن النبي - صلى الله عليه وسلم -.
والقياس أن يقضي ذلك، ولكنَّ اتباعَ الأثر أولى إذا كان صحيحًا، وحديث صَحَّحَه أبو حنيفة لا يبقى فيه لأحد مطعن، وكذا انتقده أبو يوسف حيث قال: وليس حديث شاذ نجترئ على رده، وكان من صيارفة الحديث، وروي عن علي وابن عمر وأبي هريرة - رضي الله عنهم- مثل مذهبنا، ولأن النسيان في باب الصوم ما يغلب وجوده، ولا يمكن دفعه إلَّا بحرج، فَجُعِلَ عذرًا دفعًا للحرج.
وعن عطاء والثوري أنهما فرَّقا بين الأكل والشرب وبين الجماع ناسيًا، فقالا: يفسد صومه في الجماع، ولا يفسد في الأكل والشرب، لأن القياس يقتضي الفساد في الكل لفوات ركن الصوم في الكل، إلا أنا تركنا القياس بالخبر، وأنه ورد في الأكل والشرب، فبقي الجماع على أجل القياس.
وإنا نقول: نعم، الحديث ورد في الأكل والشرب لكنه معلول بمعنى