للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

===

السفر وجب عليه قضاؤه في الحضر لظاهر قوله تعالى: {فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} (١)، ولقوله - صلى الله عليه وسلم -: "ليس من البر الصيام في السفر"، ومقابلة البر الإثم، وإذا كان آثمًا بصومه لم يجزئه، وهذا قول بعض أهل الظاهر، وحكي عن عمر وابن عمر وأبي هريرة والزهري، وتأول الجمهور الآية بأن التقدير: فأفطر فعدة من أيام أخر، ومقابل هذا القول قول من قال: إن الصوم (٢) في السفر لا يجوز إلَّا لمن خاف على نفسه الهلاك، أو المشقة الشديدة، حكاه الطبري عن قوم.

وذهب أكثر العلماء ومنهم مالك والشافعي وأبو حنيفة إلى أن الصوم أفضل لمن قوي عليه ولم يشق عليه، وقال كثير منهم: الفطر أفضل عملًا بالرخصة، وهو قول الأوزاعي وأحمد وإسحاق، وقال آخرون: هو غير مطلقًا، وقال أَخرون: أفضلهما أيسرهما لقوله تعالى: {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ} (٣)، وهو قول عمر بن عبد العزيز، واختاره ابن المنذر، والذي يترجح قول الجمهور.

وأما الجواب عن قوله - صلى الله عليه وسلم -: "ليس من البر الصيام في السفر"، فسلك المجيزون فيه طرقًا، فقال بعضهم: قد خرج على سبب فيقتصر عليه، وعلى من كان في مثل حاله، وإلى هذا جنح البخاري في ترجمته، وحمل الشافعي نفي البر المذكور في الحديث على من أبى قبول (٤) الرخصة، فقال: معنى قوله: "ليس من البر" أن يبلغ رجل هذا بنفسه في فريضة صوم ولا نافلة، وقد أرخص الله تعالى له أن يفطر وهو صحيح، قال: ويحتمل أن يكون معناه: ليس من البر المفروض الذي من خالفه أثم، وجزم ابن خزيمة وغيره بالمعنى الأول.

وقال الطحاوي (٥): المراد بالبر ها هنا البر الكامل الذي هو أعلى مراتب


(١) سورة البقرة: الآية ١٨٤.
(٢) كذا في "الفتح" (٤/ ١٨٣)، والصواب بدله "الفطر". (ش).
(٣) سورة البقرة: الآية ١٨٥.
(٤) وبسط الشوكاني في "النيل" (٣/ ٢٠٠، ٣٠١) معنى الحديث. (ش).
(٥) "شرح معاني الآثار" (٢/ ٦٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>