حَتَّى دَعَا بِالسُّفْرَةِ- قَالَ: اقْتَرِبْ، قُلْتُ: أَلَسْتَ تَرَى الْبُيُوتَ؟ قَالَ أَبُو بَصرَةَ: أَتَرْغَبُ عن سُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -؟ قَالَ جَعْفَرٌ في حَدِيثِهِ: فَأَكَلَ. [حم ٦/ ٣٩٨، دي ١٧١٣]
===
عن محاذاة البيوت (حتى دعا بالسفرة) وإلى ها هنا لفظ جعفر، وأما عبيد الله بن عمر فلفظه: ثم قرب غداؤه، ثم اتفقا فقالا:
(قال) أي أبو بصرة لعبيد بن جبر: (اقترب) أي أدن من الطعام فَكُلْ معنا (قلت: ألستَ ترى البيوت؟ قال أبو بصرة: أترغب عن سنَّة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؟ . قال جعفر في حديثه: فأكل) أي أبو بصرة، وأكلت معه لما في حديث أحمد في "مسنده": "فما زلنا مفطرين حتى بلغوا مكان كذا وكذا"، وفي أخرى له:"فلم نزل مفطرين حتى بلغنا مَا حَوَّزَنا"(١).
واختلفوا في المسافر إذا نوى الصيام من الليل وأصبح صائمًا، فقال الجمهور: له أن يفطر في أثناء النهار، وقال بعضهم: لا يحل ذلك، وهو قول الحنفية، وأما لو نوى الصوم وهو مقيم، ثم سافر في أثناء النهار، فليس له أن يفطر في أثناء النهار عند الجمهور، وقال أحمد وإسحاق بالجواز، واختاره المزني، والحنفية يقولون في هذه الصورة أيضًا بعدم جواز الإفطار، فهذا الحديث يخالف الحنفية سواء كان أبو بصرة مقيمًا في الفسطاط أو كان مسافرًا فيه، فيشكل هذا الحديث على مذهب الحنفية.
والجواب عن هذا الإشكال أولًا: أن أبا بصرة - رضي الله عنه - لعل مذهبه أنه يجوز عنده الإفطار سواء كان مسافرًا أو مقيمًا إذا نوى الصوم بالليل، وأما استدلاله بكونه سنَّة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فلعله ثبت عنده بنوع من الاجتهاد، وإلَّا فلا نص فيه عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.
وأما ثانيًا: فيمكن أن يقال: إن أبا بصرة كان مقيمًا في فسطاط، فخرج
(١) قال السندي: قوله: "حتى بلغنا مَا حَوَّزنا"، هو موضعهم الذي أرادوه، وانحاز القوم: تركوا مركزهم إلى آخر، وأهل الشام يسمون المكان الذي كان بينهم وبين العدو ما حَوَّز.