للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

الْمُشْرِكِينَ". قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، لِمَ؟ قَالَ: "لَا تَرَايَا (١) نَارَاهُمَا". [ت ١٦٠٤، ق ٩/ ١٤٢]

===

المشركين) ولفظ أظهر مقحم.

(قالوا: يا رسول الله! لم؟ ) أي: لم سقط نصف الدية، أو لم برئت من مسلم يقيم بين أظهر المشركين؟ (قال: لا ترايا) (٢) من باب التفاعل من الرؤية، يقال: تراءى القوم، إذا رأى بعضهم بعضًا، وإسناد الترائي إلى النار مجاز، وأصله تتراءى، فحذف إحدى التائين تخفيفًا (ناراهما).

قال الخطابي (٣): في معناه ثلاثة وجوه، قيل: معناه لا يستوي حكمهما، وقيل: معناه أن الله فرق بين داري الإسلام والكفر، فلا يجوز لمسلم أن يساكن الكفار في بلادهم، حتى إذا أوقدوا نارًا كان منهم بحيث يرى نارهم، ويرون ناره إذا أوقدت، وقيل: معناه لا يتسم المسلم بسمة المشرك ولا يشبه به في هديه وشكله.

وكتب مولانا محمد يحيى المرحوم من تقرير شيخه - رحمه الله -: قوله: لم يا رسول الله؟ الظاهر أنهم سألوا عن وجه التبري، ويمكن أن يكون السؤال عن وجه سقوط النصف من العقل، وأما وجوب الدية فكان ظاهرًا لأنهم مسلمون، وعلى كل من التوجيهين ينطبق الجواب، يعني إنما برئت، لأنهم خالفوا الواجب عليهم، حيث أمرتهم أن يكونوا من الكفار بحيث لا تتراءى ناراهما، أو إنما سقط النصف من دياتهم، لأنهم تسببوا لقتلهم، حيث أقاموا فيهم مع ما أمروا بالبعد عنهم، فكان قتلهم مضافًا إلى علتين:

أولاهما: قلة حزم القاتلين حيث لم يتثبتوا أمرهم، والثانية: إقامتهم في مقام المشركين، ومن ها هنا تستنبط مسألة وهي أن الفارسين إذا تصادما وماتا، فعلى القاتل منهما للمقتول نصف الدية، لأنه إنما هلك بقلة حزمه وقلة حزم صاحبه، فسقط من ديته حصته.


(١) في نسخة: "لا تراءى".
(٢) وفي "الفتاوى الحديثية": هو علة للبراءة حذفت أداتها، انتهى. (ش).
(٣) انظر: "معالم السنن" (٢/ ٢٧٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>